Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-151)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } يعني من بعد انطلاقه إلى الجبل . وذلك أن موسى عليه السلام لما وعد لقومه ثلاثين يوماً فتأخر عن ذلك ، قال السامري لقوم موسى إنكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله تعالى بتلك الخيانة ومنع الله عنا موسى . فاجمعوا الحلي الذي أخذتم من آل فرعون حتى نحرقها فلعل الله تعالى يرد علينا موسى ، فجمعوا الحلي ، وكان السامري صائغاً فجعل الحلي في النار واتخذ { مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } وقد كان رأى جبريل على فرس الحياة . فكلما وضع الفرس حافره ( ظهر النبات في موضع حافره ) فأخذ كفاً من أثر حافره من التراب وألقى ذلك التراب في العجل فصار العجل من حليهم عجلاً جسداً . قال الزجاج : الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز . إنّما معنى الجسد معنى الجثة فقط وروي عن ابن عباس قال : صار عجلاً له لحم ودم وله خوار يعني صوت مثل صوت العجل ولم يسمع منه إلا صوت واحد . وقال بعضهم سمع منه صوت ولم يسمع منه إلا مثل صوت العجل . وقال بعضهم جعله مشتبكاً فدخل فيه الريح فسمع منه صوت مثل صوت العجل ، فقال لقومه هذا إلهكم وإله موسى فاغتر به الجهال من بني إسرائيل وعبدوه قال الله تعالى { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } يعني لا يقدر على أن يكلمهم { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } يعني لا يرشدهم طريقاً { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } يعني : كافرين بعبادتهم إياه . وقرأ حمزة والكسائي من حِلِيِّهم بكسر الحاء . وقرأ الباقون من حُلِيِّهم بضم الحاء . فمن قرأ بالكسر فهو اسم لما يحسن به من الذهب والفضة . ومن قرأ بالضم فهو جمع الحَلْي ، ويقال كلاهما جمع الحَلْي وأصله الضم إلا أن من كسر فلاتباع الكسرة بالكسرة . قوله تعالى : { وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ } يعني : ندموا على ما صنعوا ، يقال : سقط في يده إذا ندم وأصله أن الإنسان إذا ندم جعل يده على رأسه { وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } أي : علموا أنهم قد ضلوا عن الهدى { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } . قرأ حمزة والكسائي لئن لم تَرْحَمْنَا بالتاء على معنى المخاطبة رَبَّنَا بالنصب يعني يا ربنا . وقرأ الباقون لئن لم يرحمنا رَبُّنا بالياء وضم الباء على معنى الخبر { وَيَغْفِرْ لَنَا } بعد التوبة . عطف على قوله لئن لم يرحمنا ربنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين . قوله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } يعني : من الجبل { غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } يعني حزيناً . ويقال الأسف في اللغة شدة الغضب ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] ويقال أشد الحزن كقوله { يٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ } [ يوسف : 84 ] { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي } يعني بعبادة العجل . يعني بئسما فعلتم في غيبتي { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } يعني استعجلتم ميعاد ربكم ، ويقال أعصيتم أمر ربكم ، ويقال : معناه أعجلتم بالفعل الذي استوجبتم به عقوبة ربكم { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } من يده . قال الكلبي : انكسرت الألواح وصعد عامة الكلام الذي كان فيها من كلام الله تعالى إلى السماء . وقال بعضهم هذا الكلام في ظاهره غير سديد . لأن الكلام صفة والصفة لا تفارق الموصوف ، فلا يجوز أن يقال الكلام يصعد ويذهب . ولكن تأويله أن الألواح لما انكسرت ذهب أثر المكتوب منها . وهذا إذا كان غير الأحكام ، وأما الأحكام أيضاً فلا يجوز أن تذهب عنه ، وإنما أراد بذلك حجة عليهم . وروي في الخبر أن الله تعالى أخبر موسى أن قومه عبدوا العجل . قال موسى يا رب من اتخذ لهم العجل ؟ قال السامري . قال ومن جعل فيه الروح ؟ قال أنا . قال فأنت فتنت قومي . قال له ربه تركتهم لمرادهم . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس الخبر كالمعاينة " لما أخبر الله تعالى بأن قومه قد عبدوا العجل لم يلق الألواح ، فلما عاين ألقى الألواح ثم قال { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } يعني أخذ بشعر رأسه ولحيته { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } ( يعني قال له هارون : يا ابن أمي لا تأخذ بلحيتي ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص : يا ابنَ أمَّ بنصب الميم . وقرأ الباقون بالكسر . وهكذا في سورة طه . فمن قرأ بالنصب جعله كاسم واحد ، كأنه يقول يا ابن أماه . كما يقال يا ويلتاه ويا حسرتاه ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الإضافة إلى نفسه وكان موسى أخاه لأبيه وأمه ولكن ذكر الأم ليرفعه عليه { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } يعني قهروني واستذلوني { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } يعني : هموا بقتلي { فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ ٱلأَعْدَاءَ } يعني : لا تفرح علي أعدائي . يعني الشياطين ويقال أصحاب العجل { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني لا تظنن أني رضيت بما فعلوا قَال موسى { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } بما فعلت بأخي هارون ، ويقال : لإلقاء الألواح { وَ } اغفر { لأَِخِي } ما كان منه من التقصير في تركهم على عبادة العجل { وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ } يعني جنتك { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّحِمِينَ } يعني : أنت أرحم بنا منا بأنفسنا . وقال الحسن : يعني أنت أرحم بنا من الأبوين .