Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 179-180)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا } يعني خلقنا لجهنم كثيراً { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } فإن قيل قد قال في آية أخرى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فأخبر أنه خلق الجن والإنس لعبادته ، وها هنا يقول خلقهم لجهنم . قيل له قد خلقهم للأمرين جميعاً ، منهم من يصلح لجهنم فخلقه لها ، ومنهم من يصلح للعبادة فخلقه لها . ولأن من لا يصلح لشيء لا يخلقه لذلك الشيء . ويقال معنى قوله إلا ليعبدون يعني إلا للأمر والنهي ، ويقال : إلا ليعبدون يعني إلا لكي يمكنهم أن يعبدوا وقد بينت لهم الطريق ، ويقال في هذه الآية تقديم وتأخير ومعناه ولقد ذرأنا جهنم لكثير من الجن والإنس ثم وصفهم فقال تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } يعني لا يعقلون بها الحق كما قال في آية أخرى { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ البقرة : 7 ] ثم قال : { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } يعني الهدى { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } يعني : الهدى ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ } فشبههم بالأنعام لقلة رغبتهم وتغافلهم عن الحق ، يعني إنهم كالأنعام في ذهنهم لا في صورهم لأنه ليس للأنعام إلا الأكل والشرب ، فهي تسمع ولا تعقل كذلك الكافر هو غافل عن الأمر والنهي والوعد والوعيد ثم قال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } سبيلاً يعني الكفار أخطأ طريقاً من الأنعام ، لأن الأنعام إذا عرفت أنها تركت الطريق رجعت إلى الطريق ، والكفار لا يرجعون إلى الطريق ، ولأن الأنعام تعرف ربها والكفار لا يعرفون ربهم . ويقال لما نزلت هذه الآية أولئك كالأنعام . تضرعت الأنعام إلى ربها فقالت : يا ربنا شبهت الكفار بنا ونحن لا ننكر وحدانيتك . فأعذر الله تعالى الأنعام فقال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأن الأنعام مطيعة لله تعالى والكفار غير مطيعين لله تعالى ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } يعني عن أمر الله تعالى وعما ينفعهم . قال الفقيه أبو الليث حدثنا أبو جعفر . قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الله القاري . قال حدثنا حازم بن يحيى الحلواني قال حدثنا الحسين بن الأسود . قال حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن سنان عن أبي منيب الحمصي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خلق الله الجن ثلاثة أصناف : صنفاً حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنفاً كالريح في الهواء ، وصنفاً عليهم الثواب والعقاب ، وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف . صنفاً كالبهائم وهم الكفار قال : قال الله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } إلى قوله : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وصنفاً آخر أجسادهم كأجساد بني آدم وأرواحهم كأرواح الشياطين ، وصنفاً في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله " . قوله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ودعا الرحمن . فقال أبو جهل أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين . فأنزل الله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } الرحمن الرحيم الملك القدوس ونحوه . فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل فقال " ادع الله أو ادع الرحمن رغماً لأنف المشركين " ويقال : ولله الأسماء الحسنى يعني الصفات العلى { فَٱدْعُوهُ بِهَا } . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة . ومن أسمائه عز وجل الرحمن الرحيم " وقد ذكرنا تفسيرها . ومن أسمائه الأحد وأصله الوحد بمعنى الواحد وهو الذي ليس كمثله شيء ، ومنها الصمد وهو السيد الذي صمد إليه كل شيء أي قصده ، ومنها القيوم وهو البالغ في القيام بكل ما خلق ، ومنها الولي يعني المتولي أمور المؤمنين ، ومنها اللطيف وهو الذي يلطف بالخلق من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ، ومنها الودود المحب الشديد المحبة ومنها الظاهر والباطن الذي يعلم ما ظهر وما بطن ، ومنها البديع الذي ابتدع الخلق على غير مثال ، ومنها القدوس أي ذو البركة ويقال الطاهر ، ومنها الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء ، ومنها الحنان أي ذو الرحمة والعطف ، ومنها المنان الكثير المن على عباده ، ومنها الفتاح يعني الحاكم ، ومنها الديان يعني المجازي ، ومنها الرقيب يعني الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، ومنها ذو القوة المتين يعني الشديد القوة على أمره ، ومنها الوكيل الذي يتوكل بالقيام بجميع ما خلق ، ومنها السبوح الذي تنزه عن كل سوء ، ومنها السلام يعني : الذي سَلِم الخلق من ظلمه ، ومنها المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه . ومنها العزيز أي : المنيع الذي لا يغلبه شيء . ومنها المهيمن يعني : الشهيد ، ومنها الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد ومنها المتكبر الذي تكبر عن ظلم العباد ومنها الباري يعني الخالق ، وساير الأسماء التي ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة رضي الله عنهم . وقال الزجاج : لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه ولم يسم به نفسه فيقول يا جواد . ولا ينبغي له أن يقول يا سخي . لأنه لم يسم به نفسه ، وكذلك يقول يا قوي . ولا يقول : يا جلد . ثم قال : { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَـائِهِ } قرأ حمزة يلحدون بنصب الياء والحاء وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الحاء ( يُلْحِدُونَ ) فمن قرأ بالنصب فمعناه وذروا الذين يميلون في أسمائه يعني يُحَوِّرون ويمارون في أسمائه ويعدلون . فسموا اللات والعزى . ومن قرأ بالضم فمعناه وذروا الذين يجادلون ويمارون في أسمائه ، ويقال إن الله تعالى قد احتج على الكفار بأربعة أشياء ، بالخلق وهو قوله تعالى : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } [ لقمان : 11 ] وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } [ الحج : 73 ] والثاني في الملك وهو قوله { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الحج : 64 ] . وقال في الأوثان { لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً } [ الزمر : 43 ] والثالث في القوة وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 20 ] { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيب ذو القوة المتين وقال في الأوثان { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ } [ الأعراف : 195 ] فوصفهم بالعجز . والرابع بالأسماء فقال { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ } وقال في الأوثان { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ } ويقال إن الكفار أرادوا أن يسموا آلهتهم الله فجرى على لسانهم اللات وقال أهل اللغة إنما سمى اللات لأنه كان عنده رجل كان يلت السويق ، وأرادوا أن يسموا العزيز فجرى على لسانهم العزى وأرادوا أن يسموا منان فجرى على لسانهم مناة ، وبقيت تلك الأسماء للأصنام وأصل الإلحاد هو الميل ولهذا سمي اللحد لحداً لأنه في ناحية ثم قال { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني وسيهانون ويعاقبون بما كانوا يعملون من الشرك والإلحاد في الأسماء .