Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 5-17)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال عز وجل : { وَأَنَّا ظَنَنَّا } يعني : حسبنا { أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } يعني : نتوهم أن أحداً لا يكذب على الله وإلى ها هنا حكاية كلام الجن ، يقول الله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ } يعني : في الجاهلية { يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ } وذلك أن الرجل إذا نزل في فضاء من الأرض كان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي فيكون في أمانهم تلك الليلة { فَزَادوهُمْ رَهَقاً } يعني : زادوا للجن عظمة وتكبروا ويقولن بلغ من سُؤدُدنا أن الجن والأنس يطلبون منا الأمان { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ } يعني : كفار الجن حسبوا كما حسبتم يا أهل مكة { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } يعني : بعد الموت ، يعني : إنهم كانوا غير مؤمنين كما أنكم لا تؤمنون ، ويقال إنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً يعني رسولاً فقد أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى كلام الجن فقال { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاءَ } يعني : صعدنا وأتينا السماء لاستراق السمع { فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } يعني : حفاظاً أقوياء من الملائكة { وَشُهُباً } يعني : رُمينا نجماً متوقداً { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَـٰعِدَ لِلسَّمْعِ } يعني : كنا نقعد فيما مضى للاستماع من الملائكة ما يقولون فيما بينهم من الكوائن { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } يعني : نجماً مضيئاً والرصد الذي أرصد للرجم يعني : النجم ، وروى عبد الرزاق عن معمر قال قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أفرأيت قوله ( فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً ) قال غلظ وشدد أمرها حين بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الجن بعضهم لبعض : { وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلأَرْضِ } يعني : يبعثه فلم يؤمنوا فيهلكوا { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } يعني : خيراً وصواباً فيؤمنوا ويهتدوا ويقال لا ندري أخيراً أريد بأهل الأرض أو الشرحين حرست السماء ورُمينا بالنجوم وَمُنعنا السمع ، ويقال : أريد عذاباً بمن في الأرض بإرسال الرسول بالتكذيب له أو أراد بهم ربهم خيراً ببيان الرسول لهم هدى وبياناً ثم قال عز وجل : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ } يعني : الموحدين والمسلمين { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } يعني : ليسوا بموحدين { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } يعني : فينا أهواء مختلفة وملل شتى ، وقال القتبي يعني : فرقاً مختلفة وكل فرقة قدة مثل القطعة في التقدير والطرائق جمع الطريق قوله تعالى : { وَأَنَّا ظَنَنَّا } يعني : علمنا وأيقنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني : لا يفوت أحد من الله تعالى : { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } لا يقدر الهرب منه قال الله عز وجل : { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } يعني : القرآن يقرؤه محمد - صلى الله عليه وسلم - { آمَنَّا بِهِ } يعني : صدقنا بالقرآن ، ويقال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقال صدقنا بالله تعالى { فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ } قال بعضهم هذا من كلام الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فمن يصدق بوحدانية الله تعالى { فَلاَ يَخَافُ بَخْساً } يعني : نقصاناً من ثواب عمله { وَلاَ رَهَقاً } يعني : ذهاب عمله وهذا كقوله تعالى { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } ، ويقال هذا كلام الجن بعضهم لبعض فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً والرهق الظلم أن يجعل ثواب عمله لغيره والبخس النقصان من ثواب عمله ، قوله تعالى : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } يعني : المصدقين بوحدانية الله تعالى : { وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } يعني : العادلين عن طريق الهدى ويقال القاسطون يعني الجائرين يقال قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل كقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } ثم قال { فَمَنْ أَسْلَمَ } يعني : أقر بوحدانية الله تعالى وأخلص بالتوحيد له { فَأُوْلَـئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } يعني : نوراً ، وتمنوا وقصدوا ثواباً ثم قال عز وجل : { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } يعني : العادلين عن الطريق الجائرين { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } يعني : وقوداً ، قال الله تعالى { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال مقاتل : لو استقاموا على طريقة الهدى يعني أهل مكة { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً } يعني : كثيراً من السماء كقوله { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] ثم قال عز وجل : { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } يعني : لنبتليهم به كقوله { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } [ الزخرف : 33 ] الآية ، وقال قتادة ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) يعني : آمنوا لوسّع الله عليهم الرزق ، وقال القتبي هذا مثل ضربه الله تعالى للزيادة في أموالهم ومواشيهم كقوله ( ولولا أن يكون الناس ) ثم قال : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ } يعني : توحيد ربه ويقال : يكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } يعني يكلفه الصعود على جبل أملس ، وقال مقاتل ( عذاباً صعداً ) أي شدة العذاب وقال القتبي : يعني : شاقاً وقال قتادة صعوداً من عذاب الله تعالى لا راحة فيه .