Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 24-25)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } يعني قومكم . قرأ عاصم في رواية أبي بكر وَعَشِيرَاتُكُمْ بالألف بلفظ الجماعة وقرأ الباقون بغير ألف { وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } يعني اكتسبتموها بمكة { وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } يعني تخشون أن تبقى عليكم فلا تنفق { وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا } يعني منازلكم التي بمكة تعجبكم الإقامة فيها { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني أن كان هذه الأشياء أحب إليكم من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة - { وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ } يعني في طاعة الله تعالى { فَتَرَبَّصُواْ } يعني : فانتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } يعني فتح مكة ، ويقال الموت والقيامة . وقال الضحاك . حتى يأتي الله بأمره يعني : حتى يأمر الله بقتال آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم . ثم قال { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } وهذا وعيد من الله تعالى للذين لم يهاجروا . ويقال من أول سورة براءة إلى قوله { وَنُفَصِّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ التوبة : 11 ] نزلت بعد فتح مكة ، ثم من قوله { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُم } [ التوبة : 12 ] إلى ههنا كان نزل قبل فتح مكة ، فوضع ههنا ، ثم ما بعد هذا نزل بعد فتح مكة وهو قوله تعالى { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } وذلك أنه لما نزل قوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } [ التوبة : 5 ] فأمرهم الله تعالى بأن يقاتلوا ويتوكلوا على الله ويطلبوا النصرة منه ولا يعتمدوا على الكثرة والقلة لأن النصرة من الله تعالى . فذلك قوله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } يعني : نصركم الله في مواطن كثيرة ( وهو يوم بدر ويوم بني قريظة ويوم خيبر ويوم فتح مكة ) وخاصة يَوْمَ حُنَيْنٍ . { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } يعني : جماعتكم { فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } يعني : عن قضاء الله تعالى كثرتكم شيئاً ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في اثني عشر ألفاً وعشرة آلاف التي خرجت معه من المدينة إلى فتح مكة ، وخرج معه ألفان من أهل مكة ، فقال رجل من المسلمين يقال له سلمة بن سلام لن نغلب اليوم من قلة ، وقد كان فتح مكة في شهر رمضان وبقيت عليه أيام من رمضان ، فمكث حتى دخل شوال ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من بني سليم عيناً له يقال له عبد الله بن أبي حدرد ، فأتى حنيناً ، وكان بينهم يسمع أخبارهم ، فسمع من مالك بن عوف أمير القوم يقول لأصحابه أنتم اليوم أربعة آلاف رجل فإذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيوفكم ، فوالله لا تضربون بأربعة آلاف سيف شيئاً إلا أفرج لكم ، وكان مالك بن عوف على هوازن . فأقبل ابن أبي حدرد حتى أتى النبي - عليه السلام - فأخبره بمقالتهم . فقال رجل من المسلمين فوالله يا رسول الله لا نغلب اليوم من كثرة ، فساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمته ، وابتلى الله المؤمنين بكلمته تلك . قال الفقيه حدثنا أبو جعفر قال حدثنا الفقيه علي بن أحمد الفارسي قال حدثنا نصير بن يحيى قال حدثنا أبو سليمان . قال حدثنا الفقيه محمد بن الحسن عن مجمع بن يعقوب عن إسحاق بن عبد الله عن أبي طلحة قال سمعت أنس بن مالك يقول : لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي حنين وهو وادي من أودية تهامة له مضايق وشعاب ، فاستقبلنا من هوازن جيش لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط من السواد والكثرة ، وقد ساقوا أموالهم ونساءهم وأبناءهم وراءهم ثم صفوا فحملوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال ثم جاؤوا بالإبل والغنم وراء ذلك لكيلا يفروا بزعمهم ، فلما رأينا ذلك السواد حسبناهم رجالاً كلهم فلما انحدرنا والوادي وهو وادي حدور ، فبينا نحن فيه إن شعرنا . أي : ما شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضايق الوادي وشعبه فحملوا علينا حملة رجل واحد ، وقد كانت قريش بمكة طلبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوا معه إلى حنين فلم يقل لهم لا ، ولا نعم ، فخرجوا وكانوا هم أول من انهزم من الناس . قال أنس : فولوا دبرهم وأتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء ، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ يقول : والتفت عن يمينه وعن يساره يا أنصار الله وأنصار رسوله : أنا عبد الله ورسوله ، صابر اليوم ، ثم تقدم بحربته أمام الناس . فوالذي بعثه بالحق ما ضربنا بسيف ولا طعنا برمح حتى هزم الله تعالى . ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المعسكر وأمر بطلبهم وأن يقتل كل من قدر عليه منهم وجعلت هوازن تولي ، وثاب من انهزم من المسلمين . قال الراوي : فقالت : أم سليم وكانت يومئذ تقاتل شادة على بطنها بثوب تقول : أرأيت يا رسول هؤلاء الذين أسلموا وفروا عنك وخذلوك ، لا تعف عنهم ، إن أمكنك الله تعالى منهم فاقتلهم كما تقتل هؤلاء المشركين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أم سليم عفو الله أوسع . وروي في خبر آخر أن دريد بن الصمة كان شيخاً كبيراً في عسكر مالك بن عوف ، وكان صاحب تدبير ، وكان لا يبصر شيئاً ما لم ترفع حاجباه ، فقال مالي أسمع رغاء الإبل وثغاء الغنم وصوت الصبيان . فقالوا له إن مالك بن عوف أمر بإخراج الأموال لكي يقاتل كل واحد منهم عن ماله . فقال لهم هلا أخبرتموني بذلك قبل الخروج ، فالرجل إذا جاءته الهزيمة متى يبالي بماله وولده ؟ ولكن إذا فعلتم ذلك فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا حملة رجل واحد . ففعلوا ذلك فانهزم المسلمون ، ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا العباسَ بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعدة من الأنصار . فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته وأخذ السيف ومضى نحو العدو وجعل ينادي يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة إليّ إليّ ، فأمده الله تعالى بخمسة آلاف من الملائكة . ورجع إليه المسلمون وانهزم المشركون وأخذ المسلمون أموالهم ، وهو الذي يسمى يوم أوطاس فنزلت هذه الآية : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } فأخبر الله تعالى أن الغلبة ليست بكثرتكم ولكن بنصرة الله تعالى وكان ذلك من آيات الله ثم قال { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلارْضُ بِمَا رَحُبَتْ } يعني برحبتها وسعتها من خوف العدو { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } يعني منهزمين لا يلوون على أحد . قوله تعالى : { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ … }