Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 36-39)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وَأوحِيَ إِلَى نُوحٍ أنه لن يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ } حقق الله تعالى استدامة كفرهم تحقيقاً لنزول الوعيد بهم ، قال الضحاك ، فدعا عليهم لما أُخبر بهذا فقال : { ربِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديَّاراً . إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 27 : 26 ] . { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ } فيه وجهان : أحدهما : فلا تأسف ومنه قول يزيد بن عبد المدان : @ فارسُ الخيل إذا ما ولولت ربّهُ الخِدر بصوتٍ مبتئس @@ الثاني : فلا تحزن ، ومنه قول الشاعر : @ وكم من خليلٍ او حميم رُزئته فلم أبتئس والرزءُ فيه جَليلُ @@ والأبتئاس : الحزن في استكانة ، وأصله من البؤس ، وفي ذلك وجهان : أحدهما : فلا تحزن لهلاكهم . الثاني : فلا تحزن لكفرهم المفضي إلى هلاكهم . قوله عز وجل : { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : بحيث نراك ، فعبر عن الرؤية بالأعين لأن بها تكون الرؤية . الثاني : بحفظنا إياك حفظ من يراك . الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة . ويحتمل وجهاً رابعاً : بمعونتنا لك على صنعها . { وَوَحْيِنَا } فيه وجهان : أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها . الثاني : تعليمنا لك كيف تصنعها . { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظلَمُواْ إِنَّهُمْ مُغْرَقونَ } نهاه الله عن المراجعة فيهم فاحتمل نهيه أمرين : أحدهما : ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه . الثاني : ليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة . قوله عز وجل : { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ } قال زيد بن أسلم : مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها ، ومائة سنة يعملها ، واختلف في طولها على ثلاثة أقاويل : أحدها : ما قاله الحسن كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت مطبقة . الثاني : ما قاله ابن عباس : كان طولها أربعمائة ذراع ، وعلوها ثلاثون ذراعاً . وقال خصيف : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعاً ، وكان في أعلاها الطير ، وفي وسطها الناس وفي أسفلها السباع . ودفعت من عين وردة في يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ورست بباقردي على الجودي يوم عاشوراء . قال قتادة وكان بابها في عرضها . { وكلّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِّنْ قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } وفي سخريتهم منه قولان : أحدهما : أنهم كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون منه ويستهزئون به ويقولون : يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً . الثاني : أنهم لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا يا نوح : ما تصنع ؟ قال : أبني بيتاً يمشي علىالماء فعجبوا من قوله وسخروا منه . { قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } فيه قولان : أحدهما : إن تسخروا من قولنا فسنسخر من غفلتكم . الثاني : إن تسخروا من فِعلنا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق . والمراد بالسخرية ها هنا الاستجهال . ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم . قال ابن عباس : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه . قال : ومياه البحار بقية الطوفان . فإن قيل : فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية ؟ قيل : لأنه ذمٌّ جعله مجازاة على السخرية فجاء به على مزاوجة الكلام ، وكان الزجاج لأجل هذا الاعتراض يتأوله على معنى إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلوننا .