Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ أعُوذُ بِربِّ النّاسِ } وإنما ذكر أنه رب الناس ، وإن كان ربّاً لجميع الخلق لأمرين : أحدهما : لأن الناس معظمون ، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا . الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يُعيذ منهم . { مَلِكِ النّاسِ * إلَهِ النّاسِ } لأن في الناس ملوكاً ، فذكر أنه ملكهم ، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم . { مِن شَرَّ الوَسْواسِ الخَنّاسِ } الخّناس هو الشيطان ، وفي تسميته بذلك وجهان : أحدهما : لأنه كثير الاختفاء ، ومنه قوله تعالى : { فلا أُقْسِمُ بالخُنَّس } يعني النجوم لاختفائها بعد الظهور . الثاني : لأنه يرجع عن ذكر الله ، والخنس الرجوع ، قال الراجز : @ وصاحب يَمْتَعِسُ امْتِعاسا يزدادُ من خَنسِه خناسا @@ وأما " الوسواس " ها هنا ففيه وجهان : أحدهما : أنه الشيطان لأنه يوسوس للإنسان ، وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله " الوسواس الخناس " قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله تعالى خنس ، فعلى هذا يكون في تأويل الخناس وجهان : أحدهما : الراجع بالوسوسة على الهوى . الثاني : أنه الخارج بالوسوسة في اليقين . الوجه الثاني : أنه وسواس الإنسان من نفسه ، وهي الوسوسة التي يحدث بها نفسه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنّ الله تعالى تجاوز لأمتى عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به " . { الذي يُوسْوِسُ في صُدورِ النّاسِ } وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل ، أو يقع في النفس من أمر متوهم ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة ، لما يعتريه من المسرة ، وأصله الصوت الخفي ، قال الأعشى : @ تسمع للحلْي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل . @@ { من الجِنّة والنّاسِ } أما وسواس الجنة فهو وسواس الشيطان على ما قدمناه ، وأما وسواس الناس ففيه وجهان : أحدهما : أنها وسوسة الإنسان من نفسه ، قاله ابن جريج . الثاني : أنه إغواء من يغويه من الناس . قال قتادة : إن من الإنس شياطين ، وإن من الجن شياطين ، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ حسناً وحسيناً فيقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة ، ومن كل عْينٍ لامّةٍ ، ونحن نسعتيذ بالله مما عوذ ونستمده جميل ما عوّد . وفقنا الله وقارئه لتدبر ما فيه وتفهم معانيه ، فيه توفيقنا وعليه توكلنا ، والحمد لله وحده وكفى ، وصلواته على رسوله محمد المصطفى ، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه الطاهرين .