Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 80-83)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } فيه وجهان : أحدهما : البيوت ، قاله الكلبي . الثاني : الشجر ، قاله قتادة . { وجعل لكم من الجبال أكناناً } الأكنان : جمع كِنّ وهو الموضع الذي يستكن فيه ، وفيه وجهان : أحدهما أنه ظل الجبال . الثاني : أنه ما فيها من غار أو شَرَف . { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ } يعني ثياب القطن والكتان والصوف . { وسرابيل تقيكم بأسكم } يعني الدروع التي تقي البأس ، وهي الحرب . قال الزجاج : كل ما لبس من قميص ودروع فهو سربال . فإن قيل : فكيف قال : { وجعل لكم من الجبال أكناناً } ولم يذكر السهل وقال { تقكيم الحر } ولم يذكر البرد ؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة : أحدها : أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل ، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد ، فذكر لهم نعمه عليه مما هو مختص بهم ، قاله عطاء . الثاني : أنه اكتفى بذكر احدهما عن ذكر الآخر ، إذ كان معلوماً أن من اتخذ من الجبال أكناناً اتخذ من السهل ، واسرابيل التي تقي الحر تقي البرد ، قاله الفراء ، ومثله قول الشاعر : @ ومـا أدري إذا يمـمتُ أرضـاً أريـد الخـيـر أيـهـما يليني . @@ فكنى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه . الثالث : أنه ذكر الجبال لأنه قدم ذكر السهل بقوله تعالى : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } وذكر الحرَّ دون البرد تحذيراً من حر جهنم وتوقياً لاستحقاقها بالكف عن المعاصي . { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } أي تؤمنون بالله إذا عرفتم نعمه عليكم . وقرأ ابن عباس { لعلكم تسلمون } بفتح التاء أي تسلمون من الضرر ، فاحتمل أن يكون عنى ضرر الحر والبرد واحتمل أن يكون ضرر القتال والقتل ، واحتمل أن يريد ضرر العذاب في الآخرة إن اعتبرتم وآمنتم . قوله عز وجل : { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } فيه خمسة تأويلات : أحدها : أنه عنى النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون نبوته ثم ينكرونها ويكذبونه ، قاله السدي . الثاني : أنهم يعرفون منا عدد الله تعالى عليهم في هذه السورة من النعم وأنها من عند الله وينكرونها بقولهم أنهم ورثوا ذلك عن آبائهم ، قاله مجاهد . الثالث : أن انكارها أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ولولا فلانٌ ما أصبت كذا ، قاله عون بن عبد الله . الرابع : أن معرفتهم بالنعمة إقرارهم بأن الله رزقهم ، وإنكارهم قولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا . الخامس : يعرفون نعمة الله بتقلبهم فيها ، وينكرونها بترك الشكر عليها . ويحتمل سادساً : يعرفونها في الشدة ، وينكرونها في الرخاء . ويحتمل سابعاً يعرفونها بأقوالهم ، وينكرونها بأفعالهم . قال الكلبي : هذه السورة تسمى سورة النعم ، لما ذكر الله فيها من كثرة نعمه على خلقه . { وأكثرهم الكفارون } فيه وجهان : أحدهما : معناه وجميعهم كافرون ، فعبر عن الجميع بالأكثر ، وهذا معنى قول الحسن . الثاني : أنه قال { وأكثرهم الكافرون } لأن فيهم من جرى عليه حكم الكفر تبعاً لغيره كالصبيان والمجانين ، فتوجه الذكر إلى المكلفين .