Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-79)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } . أما دلوك الشمس ففيه تأويلان : أحدهما : أنه غروبها ، وأن الصلاة المأمور بها صلاة المغرب ، ومنه قول ذي الرمة : @ مصابيح ليست باللواتي تقودها نجومٌ ولا بالآفات الدوالك @@ قاله ابن مسعود وابن زيد ، ورواه مجاهد عن ابن عباس ، وهو مذهب أبي حنيفة . الثاني : أنه زوالها ، والصلاة المأمور بها صلاة الظهر ، وهذا قول ابن عباس في رواية الشعبي عنه ، وهو قول أبي بردة والحسن وقتادة ومجاهد ، وهو مذهب الشافعي ومالك لرواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن ابن مسعود وعقبة بن عامر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر " وقال الشاعر : @ هذا مُقام قَدَامي رباح ذَيّبَ حتى دَلَكت بَراح @@ وبراح اسم الشمس ، والباء التي فيه من أصل الكلمة ، وذهب بعض أهل العربية إلى أن الباء التي فيها باء الجر ، واسم الشمس راح . فمن جعل الدلوك اسماً لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها ، ومن جعله اسماً لزوالها فلأنه يدلك عينيه براحته لشدة شعاعها . وقيل إن أصل الدلوك في اللغة هو الميل ، والشمس تميل عند زوالها وغروبها فلذلك انطلق على كل واحدٍ منهما . وأما { غسق الليل } ففيه تأويلان : أحدهما : أنه ظهور ظلامه ، قاله الفراء وابن عيسى ، ومنه قول زهير : @ ظَلَّت تَجُودُ يَدَاها وهِيَ لاَهِيَةٌ حتى إذا جَنَحَ الإِظْلاَمُ والغَسَقُ @@ الثاني : أنه دنوّ الليل وإقباله ، وهوقول ابن عباس وقتادة . قال الشاعر : @ إن هذا الليل قد غسقا … @@ وفي الصلاة المأمور بها قولان : أحدهما : أنها صلاة المغرب ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك الثاني : هي صلاة العشاء الآخرة ، قاله أبو جعفر الطبري . ثم قال { وقرآن الفَجْر إنّ قرآن الفجْر كان مشهوداً } في { قرآن } تأويلان : أحدهما : أقم القراءة في صلاة الفجر ، وهذا قول أبي جعفر الطبري . الثاني : معناه صلاة الفجر ، فسماها قرآناً لتأكيد القراءة في الصلاة ، وهذا قول أبي اسحاق الزجاج . { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } فيه قولان : أحدهما : إن من الحكمة أن تشهده بالحضور إليه في المساجد ، قاله ابن بحر . الثاني : ان المراد به ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " وفي هذا دليل على أنها ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار . قوله عز وجل : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } أما الهجود فمن أسماء الأضداد ، وينطلق على النوم وعلى السهر ، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر : @ ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود @@ وشاهد انطلاقه على النوم قول الشاعر : @ أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود @@ أما التهجد فهو السهر ، وفيه وجهان : أحدهما : السهر بالتيقظ لما ينفي النوم ، سواء كان قبل النوم أو بعده . الثاني : أنه السهر بعد النوم ، قاله الأسود بن علقمة . وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : فتهجد بالقرآن وقيام الليل نافلة أي فضلاً وزيادة على الفرض . وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نافلة له ثلاثة أوجه : أحدها : تخصيصاً له بالترغيب فيها والسبق إلى حيازة فضلها ، اختصاصها بكرامته ، قاله علي بن عيسى . الثاني : لأنها فضيلة له ، ولغيره كفارة ، قاله مجاهد . الثالث : لأنها عليه مكتوبة ولغيره مستحبة ، قاله ابن عباس . { عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة ، قاله حذيفة بن اليمان . الثاني : أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة ، قاله مجاهد . الثالث : أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة . ويحتمل قولاً رابعاً : أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب ، كما قال تعالى { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] .