Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 183-184)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ } بمعنى فرض عليكم الصيام ، والصيام من كل شيء الإمساك عنه ، ومن قوله تعالى : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً } أي صمتاً ، لأنه إمساك عن الكلام ، وذم أعرابي قوماً فقال : يصومون عن المعروف ويقصون على الفواحش ، وأصله مأخوذ من صيام الخيل ، وهو إمساكها عن السير والعلف ، قال النابغة الذبياني : @ خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما @@ ولذلك قيل لقائم الظهيرة : قد صام النهار ، لإبطاء الشمس فيه عن السير ، فصارت بالإبطاء كالممسكة عنه ، قال الشاعر : @ فدعها وسَلِّ الهمَّ عنك بجَسْرةٍ ذمولٍ إذا صام النهار وهجّرا @@ إلا أن الصيام في الشرع : إنما هو إمساك عن محظورات الصيام في زمانه ، فجعل الصيام من أوكد عباداته وألزم فروضه ، حتى روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّومَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِندَ اللهِ مَن رِيحِ المِسْكَ " . وإنما اختص الصوم بأنه له ، وإن كان كل العبادات له ، لأمرين بَايَنَ الصومُ بِهِمَا سائِرَ الْعِبَادَاتِ : أحدهما : أن الصوم منع من مَلاَذِّ النفس وشهواتها ، ما لا يمنع منه سائر العبادات . والثاني : أن الصوم سر بين العبد وربه لا يظهر إلا له ، فلذلك صار مختصاً به ، وما سواه من العبادات ظاهر ، ربما فعله تصنّعاً ورياء ، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره . ثم قال تعالى : { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } وفيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنهم النصارى ، وهو قول الشعبي والربيع وأسباط . والثاني : أنهم أهل الكتاب ، وهو قول مجاهد . والثالث : أنهم جميع الناس ، وهو قول قتادة . واختلفوا في موضع التشبيه بين صومنا ، وصوم الذين من قبلنا ، على قولين : أحدهما : أن التشبيه في حكم الصوم وصفته ، لا في عدده لأن اليهود يصومون من العتمة إلى العتمة ، ولا يأكلون بعد النوم شيئاً ، وكان المسلمون على ذلك في أول الإسلام ، لا يأكلون بعد النوم شيئاً حتى كان من شأن عمر بن الخطاب وأبي قيس بن صرمة ما كان ، فأجلّ الله تعالى لهم الأكل والشرب ، وهذا قول الربيع بن أنس ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بَيْنَ صَومِنَا وَصَومِ أهلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " . والقول الثاني : أن التشبيه في عدد الصوم ، وفيه قولان : أحدهما : أن النصارى كان الله فرض عليهم صيام ثلاثين يوماً كما فرض علينا ، فكان ربما وقع في القيظ ، فجعلوه في الفصل بين الشتاء والصيف ، ثم كفّروه بصوم عشرين يوماً زائدة ، ليكون تمحيصاً لذنوبهم وتكفيراً لتبديلهم ، وهذا قول الشعبي . والثاني : أنهم اليهود كان عليهم صيام ثلاثة أيام من كل يوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ، فكان على ذلك سبعة عشر شهراً إلى أن نسخ بصوم رمضان ، قال ابن عباس : كان أول ما نسخ شأن القبلة والصيام الأول . وفي قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قولان : أحدهما : لعلكم تتقون ما حرم عليكم في الصيام ، من أكل الطعام ، وشرب الشراب ، ووطء النساء ، وهو قول أبي جعفر الطبري . والثاني : معناه أن الصوم سبب يؤول بصاحبه إلى تقوى الله ، لما فيه من قه النفس ، وكسر الشهوة ، وإذهاب الأشر ، وهو معنى قول الزجاج . قوله عز وجل : { أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ } فيها قولان : أحدهما : أنها أيام شهر رمضان التي أبانها من بعد ، وهو قول ابن أبي ليلى وجمهور المفسرين . والثاني : أنها صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، كانت مفروضة قبل صيام شهر رمضان ، ثم نسخت به ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة وعطاء ، وهي الأيام البيض من كل شهر ، وفيها وجهان : أحدهما : أنه الثاني عشر وما يليه . الوجه الثاني : أنها الثالث عشر وما يليه ، وهو أظهر الوجهين ، لأن أيام الشهر مجزأة عند العرب عشرة أجزاء ، كل جزء منها ثلاثة أيام ، تختص باسم ، فأولها ثلاث غرر ، ثم ثلاث شهب ، ثم ثلاث بهر ، ثم ثلاث عشر ، ثم ثلاث بيض ، ثم ثلاث درع ، والدرع هو سواد مقدم الشاة ، وبياض مؤخرها ، فقيل لهذه الثلاث درع ، لأن القمر يغيب في أولها ، فيصير ليلها درعاً ، لسواد أوله ، وبياض آخره ، ثم ثلاث خنس ، لأن القمر يخنس فيها ، أي يتأخر ، ثم ثلاث دهم ، وقيل حنادس لإظلامها ، ثم ثلاث فحم ، لأن القمر يتفحم فيها ، أي يطلع آخر الليل ، ثم ثلاث رادي ، وهي آخر الشهر ، مأخوذة من الرادة ، أن تسرع نقل أرجلها حتى تضعها في موضع أيديها . وقد حكى أبو زيد ، وابن الأعرابي ، أنهم جعلوا للقمر في كل ليلة من ليالي العشر اسماً ، فقالوا ليلة عتمة سخيلة حل أهلها برميلة ، وابن ليلتين حديث مين مكذب ومبين ، ورواه ابن الأعرابي كذب ومين ، وابن ثلاث قليل اللباث ، وابن أربع عتمة ربع لا جائع ولا مرضع ، وابن خمس حديث وأنس ، وابن ست سِرْ وبِتْ ، وابن سبع دلجة الضبع ، وابن ثمان قمر إضحيان ، وابن تسع انقطع الشسع . وفي رواية غير أبي زيد : يلتقط فيه الجزع ، وابن عشر ثلث الشهر ، عن أبي زيد وعن غيره ، ولم يجعل له فيما زاد عن العشر اسماً مفرداً . واختلفوا في الهلال متى يصير قمراً ، فقال قوم يسمى هلالا لليلتين ، ثم يُسَمَّى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى ثلاث ، ثم يسمى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى ثلاث ، ثم يسمى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً حتى يحجر ، وتحجيره أن يستدير بِخَطَّةٍ دقيقة ، وهو قول الأصمعي ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل ، فإذا بهر ضوؤه يسمى قمراً ، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة . [ ثم عدنا إلى تفسير ما بقي من الآية ] . قوله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ } يعني مريضاً لا يقدر مع مرضه على الصيام ، أو على سفر يشق عليه في سفره الصيام . { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فيه قولان : أحدهما : أنه مع وجود السفر ، يلزمه القضاء سواء صام في سفره أو أفطر ، وهذا قول داود الظاهري . والثاني : أن في الكلام محذوفاً وتقديره : فأفطر فعدة من أيام أخر ، ولو صام في مرضه وسفره لم يعد ، لكون الفطر بهما رُخْصَة لا حتماً ، وهذا قول الشافعي ، ومالك ، وأبي حنيفة ، وجمهور الفقهاء . ثم قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهٌ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } هكذا قرأ أكثر القراء ، وقرأ ابن عباس ، ومجاهد : { وَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَطِيقُونَهُ فدية } ، وتأويلها : وعلى الذين يكلفونه ، فلا يقدرون على صيامه لعجزهم عنه ، كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع ، فدية طعام مسكين ، ولا قضاء عليهم لعجزهم عنه . وعلى القراءة المشهورة فيها تأويلان : أحدهما : أنها وردت في أول الإسلام ، خيّر الله تعالى بها المطيقين للصيام من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا ، وبين أن يفطروا ويكفروا كل يوم بإطعام مسكين ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، وقيل بل نسخ بقوله : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم } ، وهذا قول ابن عمر ، وعكرمة ، والشعبي ، والزهري ، وعلقمة ، والضحاك . والثاني : أن حكمها ثابت ، وأن معنى قوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي كانوا يطيقونه في حال شبابهم ، وإذا كبروا عجزوا عن الصوم لكبرهم أن يفطروا ، وهذا سعيد بن المسيب ، والسدي . ثم قال تعالى : { فَمَنْ تَطَوَّعَ خيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } فيه تأويلان : أحدهما : فمن تطوع بأن زاد على مسكين واحد فهو خير له وهذا قول ابن عباس ومجاهد وطاووس والسدي . والثاني : فمن تطوع بأن صام مع الفدية فهو خير له وهذا قول الزهري ورواية ابن جريج عن مجاهد . ثم قال تعالى : { وَاَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُم } يحتمل تأويلين : أحدهما : أن الصوم في السفر خير من الفطر فيه والقضاء بعده . والثاني : أن الصوم لمطيقه خير وأفضل ثواباً من التكفير لمن أفطر بالعجز . { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يحتمل وجهين : أحدهما : إن كنتم تعلمون ما شَرَّعْتُه فيكم وَبَيَّنْتُه من دينكم . والثاني : إن كنتم تعلمون فضل أعمالكم وثواب أفعالكم .