Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-27)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فما فوقها } . في قوله : { لاَ يَسْتَحْيِي } ثلاثةُ تأويلاتٍ : أحدها : معناه لا يترك . والثاني : [ يريد ] لا يخشى . والثالث : لا يمتنع ، وهذا قول المفضل . وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من موَاقَعَةِ القبح . والبعوضة : من صفار البقِّ سُميت بعوضة ، لأنها كبعض البقَّة لصِغَرِها . وفي قوله : { مَا بَعُوضَةً } ثلاثةُ أوجُهٍ : أحدها : أن " ما " بمعنى الذي ، وتقديره : الذي هو بعوضة . والثاني : أن معناه : ما بين بعوضة إلى ما فَوْقها . والثالث : أن " ما " صلةٌ زائدةٌ ، كما قال النابغة : @ قَالَتْ أَلاَ لَيْتُمَا هذَا الْحَمَامُ لَنَا إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ @@ { فَمَا فَوْقَهَا } فيه تأويلان : أحدهما : فما فوقها في الكبر ، وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ . والثاني : فما فوقها في الصغر ، لأن الغرض المقصود هو الصغر . وفي المثل ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه وارد في المنافقين ، حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين : مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً ، وقوله : أو كصيِّب من السماء ، فقال المنافقون : إن الله أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } ، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس . والثاني : أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ الله تعالى مثلاً للدنيا وأهلها ، وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت ، وإذا شبعت ماتت ، كذلك مثل أهل الدنيا ، إذا امتلأوا من الدنيا ، أخذهم الله تعالى عند ذلك ، وهذا قول الربيع بن أنس . والثالث : أن الله عز وجل حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً ، قال أهل الضلالة : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهذا قول قتادةَ ، وتأويل الربيع أحسن ، والأولُ أشبَهُ . قوله عز وجل : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } فيه ثلاثةُ تأويلات : أحدها : معناه بالتكذيب بأمثاله ، التي ضربها لهم كثيراً ، ويهدي بالتصديق بها كثيراً . والثاني : أنه امتحنهم بأمثاله ، فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم ، واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم . والثالث : أنه إخبار عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى . قوله عز وجل : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } . أما النقض ، فهو ضد الإبرام ، وفي العهد قولان : أحدهما : الوصيَّة . والثاني : الموثق . والميثاق ما وَقَعَ التوثق به . وفيما تضمنه عهده وميثاقه أربعة أقاويل : أحدها : أن العهد وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعة ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصية في كتبه ، وعلى لسان رسله ، ونقضهم ذلك بترك العمل به . والثاني : أن عهده ما خلقه في عقولهم من الحجة على توحيده وصدق رسله بالمعجزات الدالة على صدقهم . والثالث : أن عهده ما أنزله على أهل الكتاب [ من ] ، على صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، والوصية المؤكدة باتباعه ، فذلك العهد الذي نقضوه بجحودهم له بعد إعطائهم الله تعالى الميثاق من أنفسهم ، ليبينه للناس ولا يكتمونه ، فأخبر سبحانه ، أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً . والرابع : أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم ، الذي وصفه في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا } [ الأعراف : 172 ] . وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان : أحدهما : أنها كناية ترجع إلى اسم الله وتقديره من بعد ميثاق الله . والثاني : أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد . وفيمن عَنَاهُ الله تعالى بهذا الخطاب ، ثلاثة أقاويل : أحدها : المنافقون . والثاني : أهل الكتاب . والثالث : جميع الكفار . قوله عز وجل : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل ، هو رسوله ، فقطعوه بالتكذيب والعصيان ، وهو قول الحسن البصري . والثاني : أنَّه الرحمُ والقرابةُ ، وهو قول قتادة . والثالث : أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل . قوله عز وجلَّ : { وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ } وفي إفسادهم في الأرض قولان : أحدهما : هو استدعاؤهم إلى الكفر . والثاني : أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق . وفي قوله : { أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } قولان : أحدهما : أن الخسران هو النقصان ، ومنه قول جرير : @ إِنَّ سليطاً في الْخَسَارِ إِنَّهُ أَوْلاَدُ قَوْمٍ حلفوا افنه @@ يعني بالخَسَار ، ما ينقُصُ حظوظهم وشرفهم . والثاني : أن الخسران ها هنا الهلاك ، ومعناه : أولئك هم الهالكون . ومنهم من قال : كل ما نسبه الله تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر ، وما نسبه إلى المسلمين ، فإنما يعني به الذنب .