Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-285)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { للهِ مَا فِي السَّمَواتِ وما في الأرض } في إضافة ذلك إلى الله تعالى قولان : أحدهما : أنه إضافة تمليك تقديره : الله يملك ما في السماوات وما في الأرض . والثاني : معناه تدبير ما في السماوات وما في الأرض . { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ } إبداءُ ما في النفس هو العمل بما أضمروه ، وهو مُؤَاخَذ به ومُحَاسَب عليه ، وأما إخفاؤه فهو ما أضمره وحدّث به نفسه ولم يعمل به . وفيما أراد به قولان : أحدهما : أن المراد به كتمان الشهادة خاصة ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والشعبي . والثاني : أنه عام في جميع ما حدَّث به نفسه من سوء ، أو أضمر من معصية ، وهو قول الجمهور . واختلف في هذه الآية ، هل حكمها ثابت في المؤاخذة بما أضمره وحدَّث به نفسه ؟ أو منسوخ ؟ على قولين : أحدهما : أن حكمها ثابت في المؤاخذة بما أضمره ، واختلف فيه من قال بثبوته على ثلاثة أقاويل : أحدها : أن حكمها ثابت على العموم فيما أضمره الإِنسان فيؤاخِذ به من يشاء ، ويغفر لمن يشاء ، قاله ابن عمر ، والحسن . والثاني : حكمها ثابت في مؤاخذة الإِنسان بما أضمره وإن لم يفعله ، إلا أنَّ الله يغفره للمسلمين ويؤاخذ به الكافرين والمنافقين ، قاله الضحاك ، والربيع ، ويكون { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } محمولاً على المسلمين ، { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } محمولاً على الكافرين والمنافقين . والثالث : أنها ثابتة الحكم على العموم في مؤاخذته المسلمين بما حدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزنون لها ، ومؤاخذة الكافرين والمنافقين بعذاب الآخرة ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها . والقول الثاني : أن حكم الآية في المؤاخذة بما أضمره الإنسان وحدث به نفسه وإن لم يفعله منسوخ . واختلف من قال بنسخها فيما نسخت به على قولين : أحدهما : بما رواه العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال : انزل الله { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُم أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ } فاشتد ذلك على القوم فقالوا : يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نُحَدِّثُ به أنفسنا ، هلكنا ، فأنزل الله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } وهو أيضاً قول ابن مسعود . والثاني : أنها نسخت بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ } دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " . قال : فألقى الله الإيِمان في قلوبهم ، قال : فأنزل الله : { ءَامَنَ الرَّسُولُ } الآية . فقرأ : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأَنَا } . فقال تعالى : قد فعلت . { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } . قال : قد فعلت { ربنا ولا تحملنا ما لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . قال : قد فعلت . { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } . قال : قد فعلت . والذي أقوله فيما أضمره وحدّث به نفسه ولم يفعله إنه مُؤَاخَذ بمأثم الاعتقاد دون الفعل ، إلا أن يكون كَفُّه عن الفعل ندماً ، فالندم توبة تمحص عنه مأثم الاعتقاد . قوله عز وجل : { ءَامَنَ الرَّسُولُ } إلى قوله : { وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ } أما إيمان الرسول فيكون بأمرين : تحمُّل الرسالة ، وإِبْلاَغ الأمة ، وأما إيمان المؤمنين فيكون بالتصديق والعمل . { كُلٌّ ءَامَنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } . والإِيمان بالله يكون بأمرين : بتوحيده ، وقبول ما أنزل على رسوله . وفي الإِيمان بالملائكة وجهان : أحدهما : الإِيمان بأنهم رسل الله إلى أنبيائه . والثاني : الإِيمان بأن كل نفس منهم رقيب وشهيد . { وَكُتُبِهِ } قراءة الجمهور وقرأ حمزة : { وكِتَابِهِ } فمن قرأ { وَكُتُبِهِ } فالمراد به جميع ما أنزل الله منها على أنبيائه . ومن قرأ : { وَكِتَابِهِ } ففيه وجهان : أحدهما : أنه عنى القرآن خاصة . والثاني : أنه أراد الجنس ، فيكون معناه بمعنى الأول وأنه أراد جميع الكتب والإِيمان بها والاعتراف بنزولها من الله على أنبيائه . وفي لزوم العمل بما فيها ما لم يرد نسخ قولان : ثم فيما تقدم ذكره من إيمان الرسول والمؤمنين - وإن خرج مخرج الخبر - قولان : أحدهما : أن المراد به مدحهم بما أخبر من إيمانهم . والثاني : أن المراد به أنه يقتدي بهم مَنْ سواهم . ثم قال تعالى : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } يعني في أن يؤمن ببعضهم دون بعض ، كما فعل أهل الكتاب ، فيلزم التسوية بينهم في التصديق ، وفي لزوم التسوية في التزام شرائعهم ما قدمناه من القولين ، وجعل هذا حكاية عن قولهم وما تقدمه خبراً عن حالهم ليجمع لهم بين قول وعمل وماض ومستقبل . { وَقَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي سمعنا قوله وأطعنا أمره . ويحتمل وجهاً ثانياً : أن يراد بالسماع القبول ، وبالطاعة العمل . { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } معناه نسألك غفرانك ، فلذلك جاء به منصوباً . { وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } يعني إلى جزائك . ويحتمل وجهاً ثانياً : يريد به إلى لقائك لتقدم اللقاء على الجزاء .