Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 68-71)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } رَوَى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوِ اعْتَرَضُوا بقرة ، فَذَبَحُوها ، لأَجْزَأَتْ عَنْهُم ، وَلكِنَّهُم ، شَدًّدوا ، فَشَدَّد الله عليهم " . { قَالَ : إِنَّه يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } في الفارض تأويلان : أحدهما : أنها الكبيرة الهَرِمَة ، وهو قول الجمهور . قال الراجز : ـ @ شيب أصداغي فرأسي أبْيضُ محامل فيها رجال فرض @@ يعني بقوله : فُرّض ، أي هرمى . والثاني : أنّ الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة ، فيتسع لذلك جوفها ، لأن معنى الفارض في اللغة الواسع ، وهذا قول بعض المتأخرين ، واستشهد بقول الراجز : @ يا رُبَّ ذي ضغن عليّ فارض له قروء كقروء الحائض @@ والبكر : الصغيرة التي لم تحمل ، والبكر من إناث البهائم ، وبني آدم ، ما لم يفتحله الفحل ، وهي مكسورة الباء ، فأما البَكْر بفتح الباء ، فهو الفتي من الإبل . وقوله تعالى : { عَوانٌ بَيْنَ ذلكَ } والعوان النَّصَفُ التي قد ولدت بطناً أو بطنين ، { بين ذلك } يعني بين الصغيرة والكبيرة ، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه ، قال الشاعر : @ فرحن عليه بين بِكرٍ عزيزة وبين عَوانٍ كالغمامة ناصِفِ @@ قوله تعالى : { … قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ } حُكِيَ عن الحسن البصري ، أن المراد بقوله صفراء ، أي سوداء شديدة السواد ، كما تقول العرب : ناقة صفراء أي سوداء ، ومنه قول الشاعر : @ تلك خيلي منه وتلك ركابي هُنّ صفر أولادها كالزبيب @@ وقال الراجز : @ وصفرٍ ليست بمصفرّة ولكنّ سوداءَ مثل الخُمُر @@ وقال سائر المفسرين : إنها صفراء اللون ، من الصفرة المعروفة ، وهو أصح ، لأنه الظاهر ، ولأنه قال : { فَاقِعٌ لَّوْنُهَا } والفاقع من صفات الصفرة ، وليس يوصف السواد بذلك ، وإنما يقال : أسود حالكٌ ، وأحمر قانٍ ، وأبيضُ ناصعٌ ، وأخضرُ ناضرٌ ، وأصفرُ فاقعٌ . ثم فيما أُرِيدَ بالصفرة قولان : أحدهما : صفراء القرن والظلف ، وهو قول سعيد بن جبير . والثاني : صفراء اللون كله ، وهذا قول مجاهد . وفي قوله تعالى : { فاقع لونها } ثلاثة تأويلات : أحدها : الشديدة الصفرة ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن . والثاني : الخالص الصفرة ، وهذا قول قطرب . والثالث : الصافي ، وهذا قول أبي العالية ، وقتادة . { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } فيه وجهان : أحدهما : تعجب الناظرين بصفرتها ، فتعجب بالسرور ، وهو ما يتأثر به القلب ، والفرح ما فرحت به العين ، ويحتمل قوله : { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } وجهين : أحدهما : بحسن لونها فتكون … لصفرتها . والثاني : حسن سمتها ، وصفت بذلك ، ليكون ذلك زيادة شرط في صفتها ، غير ما تقدم من ذكر صفرتها ، فتصير البقرة على الوجه الأول ، ذات وصف واحد ، وعلى الوجه الثاني ، ذات وصفين . قوله تعالى : { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } فسألوا سؤالاً ثالثاً ، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان الثاني ، فروى ابن جريج ، عن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُمِرُوا بِأَدْنَى بَقَرةٍ وَلَكِنَّهُم لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِم شَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِم ، وَأيمُ اللهِ لَو أَنَّهُم لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُم آخرُ الأَبَدِ " يعني أنهم لو لم يقولوا : { وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ } ما اهتدوا إليها أبداً . قوله عز وجل : { قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرةٌ لاَّ ذَلُولٌ } يعني لم يذللها العمل . { تُثِيرُ الأَرْضَ } والإثارة تفريق الشيء ، أي ليست مما يثير الأرض للزرع ، ولا يسقى عليها الزرع . [ وقيل يثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ولا تسقى ] . وليس هذا الوجه بشيء ، بل نفي عنها جميع ذلك . { مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيها } وفي ذلك أربعة تأويلات : أحدها : مُسَلَّمَةٌ من العيوب ، وهذا قول قتادة ، وأبي العالية . والثاني : مُسَلَّمَةٌ من العمل . والثالث : مُسَلَّمَةٌ من غصب وسرقة ، فتكون حلالاً . والرابع : مُسَلَّمَةٌ من … . وفي { شِيَةَ } ثلاثة أوجه : أحدها : ليس فيها علامة خاصة ، حكاه السدي . والثاني : أنه ليس فيها لون ، يخالف لونها من سواد أو بياض . والثالث : أنه الوضَح وهو الجمع بين ألوان من سواد وبياض . وأصله من وشي الثوب ، وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة ، ومنه قيل للساعي بالرجل عند السلطان واشٍ ، لأنه يحسّن كذبه عنده ، حتى يقبله منه . { قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ } فيه تأويلان : أحدهما : الآن بَيّنْت الحق ، وهو قول قتادة . والثاني : معناه أنه حين بيّنها لهم ، قالوا هذه بقرة فلان ، الآن جئت بالحق فيها ، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد . وفي قوله تعالى : { فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } تأويلان : أحدهما : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا لغلاء ثمنها ، لأنهم اشتروها على ما حَكَى ابن عباس ، ومحمد بن كعب : بملء مَسْكها ذهباً من مال المقتول . وقيل بوزنها عشر مرات . والثاني : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا خوفاً من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل ، وهذا قول وهب ، وقال عكرمة : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير . وقيل : كانت البقرة وحشية .