Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-2)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } أي هذه سورة أنزلناها ويحتمل أن يكون قد خصها بهذا الافتتاح لأمرين : أحدهما : أن المقصود الزجر والوعيد فافتتحت بالرهبة كسورة التوبة . الثاني : أن فيها تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم بطهارة نسائه فافتتحت بذكر والسورة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة قال الشاعر : @ ألم تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورةً تـرى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ @@ { وَفَرَضْنَاهَا } فيه قراءتان بالتخفيف وبالتشديد . فمن قرأ بالتخفيف ففي تأويله وجهان : أحدهما : فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام ، قاله مجاهد . الثاني : قدرنا فيها الحدود من قوله تعالى : { فنصف ما فرضتم } [ البقرة : 237 ] أي قدرتم ، قاله عكرمة . ومن قرأ بالتشديد ففي تأويله وجهان : أحدهما : معناه تكثير ما فرض فيها من الحلال والحرام ، قاله ابن عيسى . الثاني : معناه بيناها ، قاله ابن عباس . { وَأَنزَلْنَا فِيهآ ءَايَاتٍ بَيِّناتٍ } فيه وجهان : أحدهما : أنها الحجج الدالة على توحيده ووجوب طاعته . الثاني : أنها الحدود والأحكام التي شرعها . قوله تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } وإنما قدم ذكر الزانية على الزاني لأمرين : أحدهما : أن الزنى منها أعَرُّ ، وهو لأجل الحَبَل أضر . الثاني : أن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب ، وقدر الحد فيه بمائة جلدة من الحرية والبكارة ، وهو أكثر حدود الجلد ، لأن فعل الزنى أغلظ من القذف بالزنى ، وزادت السنة على الجلد بتغريب عام بعده ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُذُواْ عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " ومنع العراقيون من التغريب اقتصاراً على الجلد وحده ، وفيه دفع السنة والأثر . والجلد مأخوذ من وصول الضرب إلى الجلد . فأما المحصنان فحدهما الرجم بالسنة إما بياناً لقوله تعالى في سورة النساء : { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] على قول فريق : وإما ابتداء فرض على قول آخرين . وروى زر بن حبيش عن أُبَيٍّ أن في مصحفه من سورة الأحزاب ذكر الرجم : " إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارْجُمَوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " . { وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } أي في طاعة الله ، وقد يعبر بالدين عن الطاعة . { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } أي إن كنتم تقيمون طاعة الله قيام من يؤمن بالله واليوم الآخر ، والرأفة الرحمة ولم ينه عنها لأن الله هو الذي يوقعها في القلوب وإنما نهى عما تدعو الرحمة إليه ، وفيه قولان : أحدهما : أن تدعوه الرحمة إلى إسقاط الحد حتى لا يقام ، قاله عكرمة . الثاني : أن تدعوه الرحمة إلى تخفيف الضرب حتى لا يؤلم ، قاله قتادة . واستنبط هذا المعنى الجنيد فقال : الشفقة على المخالفين كالإِعراض عن المواقعين { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } يعني بالعذاب الحد يشهده عند الإِقامة طائفة من المؤمنين ، ليكونوا زيادة في نكاله وبينة على إقامة حده واختلف في عددهم على أربعة أقاويل : أحدها : أربعة فصاعداً ، قاله مالك والشافعي . الثاني : ثلاثة فصاعداً ، قاله الزهري . الثالث : اثنان فصاعداً ، قال عكرمة . الرابع : واحد فصاعداً ، قاله الحسن ، وإبراهيم . ولما شرط الله إيمان من يشهد عذابهما ، قال بعض أصحاب الخواطر : لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب .