Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-44)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِن الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } يعني به المنافقين المظهرين للإِيمان المبطنين للكفر . { وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ } يعني اليهود . { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } ليكذبوا عليك عندهم إذا أتوا من بعدهم ، وهذا قول الحسن ، والزجاج . والثاني : أن معنى قوله : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } أى قائلون للكذب عليك . و { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } يعني فى قصة الزاني المحصن من اليهود الذي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكروه ، وهذا قول ابن عباس . { يُحرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضَعِهِ } فيه قولان : أحدهما : أنهم إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم غيروه بالكذب عليه ، وهذا قول الحسن . والثاني : هو تغيير حكم الله تعالى في جَلْد الزاني بدلاً من رجمه ، وقيل في إسقاط القود عند استحقاقه . { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ } فيه قولان : أحدهما : أنه يريد بذلك حين زنى رجل منهم بامرأة فأنفذوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم وقالوا : إن حكم عليكم بالجلد فاقبلوه وإن حكم عليكم بالرجم فلا تقبلوه ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى مدارس توارتهم وفيها أحبارهم يتلون التوراة ، فأتى عبد الله بن صوريا ، وكان أعور ، وهو من أعلمهم فقال له أسألك بالذي أنزل التوراة بطور سيناء على موسى بن عمران هل فى التوراة الرجم ؟ فأمسك ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا ، قال عبد الله : وكنت فيمن رجمه وأنه ليقيها الأحجار بنفسه حتى ماتت ، ثم إن ابن صوريا أنكر وفيه أنزل الله تعالى هذه الآية وهذا قول ابن عباس ، وجابر ، وسعيد بن المسيب ، والسدي ، وابن زيد . والقول الثاني : أن ذلك في قتيل منهم ، قال الكلبي : قتلت بنو النضير رجلاً من بني قريظة وكانوا يمتنعون بالاستطالة عليهم من القود بالدية ، وإذا قتلت بنو قريظة منهم رجلاً لم يقنعوا إلا بالقود دون الدية ، قالوا : إن أفتاكم بالدية فاقبلوه وإن أفتاكم بالقود فردوه ، وهذا قول قتادة . { وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ } فيه ثلاث تأويلات . أحدها : عذابه ، وهذا قول الحسن . والثاني : إضلاله ، وهو قول السدي . والثالث : فضيحته ، وهو قول الزجاج . { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } فيه قولان : أحدهما : لم يطهرها من الضيق والحرج عقوبة لهم . والثاني : لم يطهرها من الكفر . قوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } فيه أربعة تأويلات . أحدهما : أن السحت الرشوة ، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنه الرشوة فى الحكم ، وهو قول علي . والثالث : هو الاستعجال فى القضية ، وهو قول أبي هريرة . والرابع : ما فيه الغارّ من الأثمان المحرمة : كثمن الكلب ، والخنزير ، والخمر وعسب افحل ، وحلوان الكاهن . وأصل السحت الاستئصال ، ومنه قوله تعالى : { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } أي يستأصلكم ، وقال الفرزدق : @ وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلف @@ فسمي سحتاً لأنه يسحت الدين والمروءة . { فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَْعْرِضْ عَنْهُمْ } فيمن أريد بذلك قولان : أحدهما : اليهوديان اللذان زنيا خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما بالرجم أو يدع ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، والزهري . والثاني : أنها في نفسين من بني قريظة وبني النضير قتل أحدهما صاحبه فخّير رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احتكامهما إليه بين أن يحكم بالقود أو يدع ، وهذا قول قتادة . واختلفوا في التخيير في الحكم بينهم ، هل هو ثابت أو منسوخ ؟ على قولين : أحدهما : أنه ثابت وأن كل حاكم من حكام المسلمين مخير فى الحكم بين أهل الذمة بين أن يحكم أو يدع ، وهذا قول الشعبي ، وقتادة ، وعطاء ، وإبراهيم . والقول الثاني : أن ذلك منسوخ ، وأن الحكم بينهم واجب على من تحاكموا إليه من حكام المسلمين ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعمر بن عبد العزيز ، وعكرمة ، وقد نسخه قوله تعالى : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ } قوله تعالى : { وَكَيفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ الْتَّورَاةُ فِيهَا حَكْمُ اللَّهِ } فيه قولان : أحدهما : حكم الله بالرجم . والثاني : حكم الله بالقود . { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ } فيه قولان : أحدهما : بعد حكم الله في التوراة . والثاني : بعد تحكيمك . { وَمَآ أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } فيه قولان : أحدهما : أي فى تحكيمك أنه من عند الله مع جحودهم نبوتك . والثاني : يعني فى توليهم عن حكم الله غير راضين به . قوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ } يعني بالهدى ادليل . وبالنور البيان . { يَحْكُمْ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } فيهم قولان : أحدهما : أنهم جماعة أنبياء منهم محمد صلى الله عليه وسلم . والثاني : المراد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحده وإن ذكر بلفظ الجمع . وفي الذي يحكم به من التوراة قولان : أحدهما : أنه أراد رجم الزاني المحصن ، والقود من القاتل العامد . والقول الثاني : أنه الحكم بجميع ما فيها من غير تخصيص ما لم يرد به نسخ . ثم قال تعالى : { لِلَّذِينَ هَادُوا } يعني على الذين هادوا ، وهم اليهود ، وفي جواز الحكم بها على غير وجهان : على اختلافهم فى التزامنا شرائع من قبلنا إذا لم يرد به نص ينسخ . ثم قال تعالى : { وَالرَّبَانُّيِونَ والأَحْبَارُ } واحد الأحبار حَبْر بالفتح ، قال الفراء ، أكثر ما سمعت حِبْر بالكسر ، وهو العالم ، سُمِّي بذلك اشتقاقاً من التحبير ، وهو التحسين لأن العالم يحسن الحسن ويقبح القبيح ، ويحتمل أن يكون ذلك لأن العلم فى نفسه حسن . ثم قال تعالى : { بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ } فيه قولان : أحدهما : معناه يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله . والثاني : معناه والعلماء استحفظوا من كتاب الله . وفي { اسْتُحْفِظُواْ } تأويلان : أحدهما : استودعوا ، وهو قول الأخفش . والثاني : العلم بما حفظوا ، وهو قول الكلبي . { وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } يعني على حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه في التوراة . { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } فيه قولان : أحدهما : فلا تخشوهم فى كتمان ما أنزلت ، وهذا قول السدي . والثاني : في الحكم بما أنزلت . { وَلاَ تَشْتَرُوا بِأَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } فيه تأويلان : أحدهما : معناه لا تأخذوا على كتمانها أجراً . والثاني : معناه لا تأخذوا على تعليمها أجراً . { وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، ثم قال تعالى : { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ } ، ثم قال تعالى : { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وفي اختلاف هذه الآي الثلاث أربعة أقاويل : أحدها : أنها واردة في اليهود دون المسلمين ، وهذا قول ابن مسعود ، وحذيفة ، والبراء ، وعكرمة . الثاني : أنها نزلت في أهل الكتاب ، وحكمها عام في جميع الناس ، وهذا قول الحسن ، وإبراهيم . والثالث : أنه أراد بالكافرين أهل الإِسلام ، وبالظالمين اليهود ، وبالفاسقين النصارى ، وهذا قول الشعبي . والرابع : أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به ، فهو كافر ، ومن لم يحكم مقراً به فهو ظالم فاسق ، وهذا قول ابن عباس .