Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-14)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً } الذاريات : الرياح ، واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء ، كما قال تعالى : { فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } وفي قوله { ذَرْواً } وجهان : أحدهما : مصدر . الثاني : أنه بمعنى ما ذرت ، قاله الكلبي . فكأنما أقسم بالرياح وما ذرت الرياح . ويحتمل قولاً ثالثاً : أن الذاريات النساء الولودات لأن في ترائبهن ذرو الخلق ، لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين ، وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذارياً لأمرين . أحدهما : لأنهن اوعية دون الرجال فلاجتماع الذروين خصصن بالذكر . الثاني : أن الذرو فيهن أطول زماناً وهن بالمباشرة أقرب عهداً . { فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً } فيها قولان : أحدهما : أنها السحب [ يحملن ] وِقْراً بالمطر . الثاني أنها الرياح [ يحملن ] وِقْراً بالسحاب ، فتكون الريح الأولى مقدمة السحاب لأن أمام كل سحابة ريحاً ، والريح الثانية حاملة السحاب . لأن السحاب لا يستقل ولا يسير إلا بريح . وتكون الريح الثانية تابعة للريح الأولى من غير توسط ، قاله ابن بحر . ويجري فيه احتمال قول : ثالث : أنهن الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل ، والوقر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، وبالفتح ثقل الأذن . { فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً } فيها قولان : أحدهما : السفن تجري بالريح يسراً إلى حيث سيرت . الثاني : أنه السحاب ، وفي جريها يسراً على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البقاع والبلاد . الثاني : هو سهولة تسييرها ، وذلك معروف عند العرب كما قال الأعشى : @ كأن مشيتها من بيت جارتها مشي السحابة ولا ريث لا عجل @@ { فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } فيه قولان : أحدهما : أنه السحاب يقسم الله به الحظوظ بين الناس . الثاني : الملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه ، قاله الكلبي . وهم : جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح ، وعزرائيل وهو ملك الموت وقابض الأرواح ، عليهم السلام . والواو التي فيها واو القسم ، أقسم الله بها لما فيها من الآيات والمنافع . { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } فيه وجهان : أحدهما : إن يوم القيامة لكائن ، قاله مجاهد . الثاني : ما توعدون من الجزاء بالثواب والعقاب حق ، وهذا جواب القسم . { وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } فيه وجهان : أحدهما : إن الحساب لواجب ، قاله مجاهد . الثاني : [ أن ] الدين الجزاء ومعناه أن جزاء أعمالكم بالثواب والعقاب لكائن ، وهو معنى قول قتادة ، ومنه قول لبيد . @ قوم يدينون بالنوعين مثلهما بالسوء سوء وبالإحسان إحسانا @@ { وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ } في السماء ها هنا وجهان : أحدهما : أنها السحاب الذي يظل الأرض . الثاني : وهو المشهور أنها السماء المرفوعة ، قال عبد الله بن عمر : هي السماء السابعة . وفي { الْحُبُكِ } سبعة أقاويل : أحدها : أن الحبك الاستواء ، وهو مروي عن ابن عباس على اختلاف . الثاني : أنها الشدة ، وهو قول أبي صالح . الثالث : الصفاقة ، قاله خصيف . الرابع : أنها الطرق ، مأخوذ من حبك الحمام طرائق على جناحه ، قاله الأخفش ، وأبو عبيدة . الخامس : أنه الحسن والزينة ، قاله علي وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير ومنه قول الراجز : @ كأنما جللها الحواك كنقشة في وشيها حباك @@ السادس : أنه مثل حبك الماء إذا ضربته الريح ، قاله الضحاك . قال زهير : @ مكلل بأصول النجم تنسجه ريح الشمال لضاحي مائة حبك @@ السابع : لأنها حبكت بالنجوم ، قاله الحسن . وهذا قسم ثان . { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يعني في أمر مختلف ، فمطيع وعاص ، ومؤمن وكافر ، قاله السدي . الثاني : أنه القرآن فمصدق له ومكذب به ، قاله قتادة . الثالث : انهم أهل الشرك مختلف عليهم بالباطل ، قاله ابن جريج . ويحتمل رابعاً : أنهم عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره . وهذا جواب القسم الثاني . { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } فيه ستة تأويلات : أحدها : يضل عنه من ضل ، قاله ابن عباس . الثاني : يصرف عنه من صرف ، قاله الحسن . الثالث : يؤفن عنه من أفن ، قاله مجاهد ، والأفن فساد العقل . الرابع : يخدع عنه من خدع ، قاله قطرب . الخامس : يكذب فيه من كذب ، قاله مقاتل . السادس : يدفع عنه من دفع ، قاله اليزيدي . { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : لعن المرتابون ، قاله ابن عباس . الثاني : لعن الكذابون ، قاله الحسن . الثالث : أنهم أهل الظنون والفرية ، قاله قتادة . الرابع : أنهم المنهمكون ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . وقوله : { قُتِلَ } ها هنا ، بمعنى لعن ، والقتل اللعن . وأما الخراصون فهو جمع خارص . وفي الخرص ها هنا وجهان : أحدهما : أنه تعمد الكذب ، قاله الأصم . الثاني : ظن الكذب ، لأن الخرص حزر وظن ، ومنه أخذ خرص الثمار . وفيما يخرصونه وجهان : أحدهما : تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم . الثاني : التكذيب بالبعث . وفي معنى الأربع تأويلات وقد تقدم ذكرها في أولها { الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : في غفلة لاهون ، قاله ابن عباس . الثاني : في ضلالاتهم متمادون ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . الثالث : في عمى وشبهة يترددون ، قاله قتادة . ويحتمل رابعاً : الذين هم في مأثم المعاصي ساهون عن أداء الفرائض . { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ } أي متى يوم الجزاء . وقيل : إن أيان كلمة مركبة من أي وآن . { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } في { يُفْتَنُونَ } ثلاثة أوجه : أحدها : أي يعذبون ، قاله ابن عباس ، ومنه قول الشاعر : @ كل امرىء من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور مفتون @@ الثاني : يطبخون ويحرقون ، كما يفتن الذهب بالنار ، وهو معنى قول عكرمة والضحاك . الثالث : يكذبون توبيخاً وتقريعاً زيادة في عذابهم . { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } الآية . فيه ثلاثة أوجه : أحدها : معنى فتنتكم أي عذابكم ، قاله ابن زيد . الثاني : حريقكم ، قاله مجاهد . الثالث : تكذبيكم ، قاله ابن عباس .