Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 19-21)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزُوْجُكَ الْجَنَّةَ } يعني حواء ، وفي الجنة التي أمر بسكناها قولان : أحدهما : في جنة الخلد التي وعد المتقون ، وجاز الخروج منها لأنها لم تجعل ثواباً فيخلد فيها ولا يخرج منها . والثاني : أنها جنة من جنات الدنيا لا تكليف فيها وقد كان مكلفاً . { فَكُلاَ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتَمُا } يحتمل وجهين : أحدهما : من حيث شئتما من الجنة كلها . والثاني : ما شئتما من الثمار كلها لأن المستثنى بالنهي لمَّا كان ثمراً كان المأمور به ثمراً . { وَلاَ تَقَْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } قد ذكرنا اختلاف الناس فيها على ستة أقاويل : أحدها : أنه البُرّ ، قاله ابن عباس . والثاني : الكَرْم ، قاله السدي . والثالث : التين ، قاله بان جريج . والرابع : شجرة الكافور ، قاله علي بن أبي طالب . والخامس : شجرة العلم ، قاله الكلبي . والسادس : أنها شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة ، قاله ابن جدعان ، وحكى محمد بن إسحاق عن أهل الكتابين أنها شجرة الحنظل ولا أعرف لهذا وجهاً . فإذا قيل : فما وجه نهيهما عن ذلك مع كمال معرفتهما ؟ قيل : المصلحة في استدامة ، المعرفة ، والابتلاء بما يجِب فيه الجزاء . قوله عز وجل : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الْشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا … } أما الوسوسة فهي إخفاء الصوت بالدعاء ، يقال وسوس له إذا أوهمه النصيحة ، ووسوس إليه إذا ألقى إليه المعنى ، وفي ذلك قول رؤبة بن العجاج : @ وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق سراً وقد أوّن تأوين العقق @@ فإن قيل : فكيف وسوس لهما وهما في الجنة وهو خارج عنها ؟ فعنه ثلاثة أجوبة هي أقاويل اختلف فيها أهل التأويل : أحدها : أنه وسوس إليها وهما في الجنة في السماء ، وهو في الأرض ، فوصلت وسوسته بالقوة التي خلقها الله له إلى السماء ثم الجنة ، قاله الحسن . والثاني : أنه كان في السماء وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك . والثالث : أنه خاطبهما من باب الجنة وهما فيها . { … وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الْشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } وهذا هو الذي ألقى به من الوسوسة إليهما استغواءً لهما بالترغيب في فضل المنزلة ونعيم الخلود . فإن قيل : هل تصورا ذلك مع كمال معرفتهما ؟ قيل : إنما كملت معرفتهما بالله تعالى لا بأحكامه . وفي قول إبليس ذلك قولان : أحدهما : أنه أوهمهما أن ذلك في حكم الله جائز أن يقلب صورتهما إلى صور الملائكة وأن يخلدهما في الجنة . والثاني : أنه أوهمهما أنهما يصيران بمنزلة الملائكة في علو المنزلة مع علمهما بأن قلب الصور لا يجوز . قوله عز وجل : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } أي حلق لهما على صدقه في خبره ونصحه في مشورته ، فقبلا قوله وتصورا صدقه لأنهما لم يعلما أن أحداً يجترىء على الحلف بالله كاذباً . ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون معنى قوله : { وَقَاسَمَهُمَا } أي قال لهما : إن كان ما قلته خيراً فهو لكما دوني وإن كان شراً فهو عليّ دونكما ومن فعل ذلك معكما فهو من الناصحين لكما ، فكانت هذه مقاسمتهما أن قسم الخير لهما والشر له على وجه الغرور لتنتفي عنه التهمة ويسرع إليه القبول .