Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-35)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل { يَآ أَيُّهَا الَّذِِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُون أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } الآية : في قولان : أحدهما : أنه أخذ الرشا في الحكم ، قاله الحسن . والثاني : أنه على العموم من أخذه بكل وجه محرم . وإنما عبر عن الأخذ بالأكل لأن ما يأخذونه من هذه الأموال هي أثمان ما يأكلون ، وقد يطلق على أثمان المأكول اسم الأكل ، كما قال الشاعر : @ ذر الآكلين الماء فما أرى ينالون خيراً بعد أكلهم الماء @@ أي ثمن الماء . { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } يحتمل وجهين : أحدهما : أنه منعهم من الحق في الحكم بقبول الرشا . والثاني : أنه منعهم أهل دينهم من الدخول في الإسلام بإدخال الشبهة عليهم . { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وفي هذا الكنز المستحق عليه هذا الوعيد ثلاثة أقاويل : أحدها : أن الكنز كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤدَّ زكاته ، سواء كان مدفوناً أو غير مدفون ، قاله ابن عمر والسدي والشافعي والطبري . والثاني : أن الكنز ما زاد على أربعة آلاف درهم ، أديت منه الزكاة أم لم تؤد ، قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقد قال : أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة ، وما فوقها كنز . والثالث : أن الكنز ما فضل من المال عن الحاجة إليه ، روى عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال : لما نزل قوله تعالى { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ … } الآية . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبّاً لِلذَهَبِ وَالْفِضَّةِ " قال : فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : فأي المال نتخذ ؟ فقال عمر ابن الخطاب : أنا أعلم لكم ذلك ، فقال : يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا : فأي المال نتخذ ؟ فقال : " لِسَاناً ذَاكِراً وَقَلْباً شَاكِراً وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِه " . وروى قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال : مات رجل من أهل الصفّة فوجد في مئزرة دينار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كَيَّةٌ " ثم مات آخر فوجد في مئزره ديناران فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كَيَّتَانِ " والكنز في اللغة هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض سواء كان ظاهراً على الأرض أو مدفوناً فيها ، ومنه كنز البُرّ ، قال الشاعر : @ لا دَرَّ دري إن أطعمت نازلهم قِرف الحتى وعندي البُرّ مكنوز @@ الحتى : سَويق المقل . يعني وعندي البُرّ مجموع . فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } فذكر جنسين ثم قال { وَلاَ يُنفِقُونَهَا } والهاء كناية ترجع إلى جنس واحد ، ولم يقل : وَلاَ يُنفِقُونَهَما لترجع الكناية إليهما . فعن ذلك جوابان : أحدهما : أن الكناية راجعة إلى الكنوز ، وتقديره : ولا ينفقون الكنوز في سبيل الله . والثاني : أنه قال ذلك اكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر لدلالة الكلام على اشتراكهما فيه ، كما قال تعالى { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } [ الجمعة : 11 ] ولم يقل إليهما ، وكقول الشاعر : @ إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يُعاص كان جنوناً @@ ولم يقل يعاصيا . ثم إن الله تعالى غلَّظ حال الوعيد بما ذكره بعد هذا من قوله : { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } وإنما غلظ بهذا الوعيد لما في طباع النفوس من الشح بالأموال ليسهل لهم تغليظ الوعيد إخراجها في الحقوق .