Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-98)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ } ، وجبتْ عليهم ، { كَلِمَةُ رَبِّكَ } ، قيل : لعنته . وقال قتادة سخط الله . وقيل : " الكلمة " هي قوله : هؤلاء في النار ولا أُبالي { لاَ يُؤْمِنُونَ } . { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ } ، دلالة ، { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } ، قال الأخفش : أنّث فِعلَ « كل » لأنه مضاف إلى المؤنث وهي قوله : « آية » ، ولفظ « كل » للمذكر والمؤنث سواء . قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ } أي : فهلا كانت ، { قَرْيَةٌ } ، ومعناها : فلم تكن قرية لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد ، أي : أهل قرية ، { ءَامَنَتْ } ، عند معاينة العذاب ، { فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } ، في حالة البأس { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } ، فإنه نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، و « قوم » نصبٌ على الاستثناء المنقطع ، تقديره : ولكن قوم يونس ، { لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } ، وهو وقت انقضاء آجالهم . واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عياناً أم لا ؟ فقال بعضهم : رأوا دليل العذاب ؟ والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عياناً بدليل قوله : « كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ » ، والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قَرُب . وقصة الآية على ما ذكره عبدالله بن مسعود ، وسعيد بن جبير ، ووهب وغيرهم أن قوم يونس كانوا بنينوى ، من أرض الموصل ، فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإِيمان فدعاهم فأبوا ، فقيل له : أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنا لم نجرب عليه كذباً فانظرُوا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم ، فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم قدر ميل . وقال وهب : غامت السماء غيماً أسود هائلاً يدخن دخاناً شديداً ، فهبط حتى تغشَّاهم في مدينتهم واسودت سطوحهم ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا يونس نبيهم فلم يجدوه ، وقذف الله في قلوبهم التوبة ، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، ولبسوا المسوح وأظهروا الإِيمان والتوبة ، وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام فحنَّ بعضُها إلى بعض ، وعلتِ أصواتها ، واختلطتْ أصواتُها بأصواتهم ، وعجُّوا وتضرعوا إلى الله عزّ وجلّ ، وقالوا : آمنا بما جاء به يونس ، فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أضلهم ، وذلك يوم عاشوراء ، وكان يونس قد خرج فأقام ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم يرَ شيئاً ، وكان مَنْ كذّب ولم تكن له بينة قتل ، فقال يونس : كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم ؟ فانطلق عاتباً على ربِّه مغاضباً لقومه ، فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة ، فعرفوه فحملوه بغير أجر ، فلما دخلها وتوسطت بهم ولججت ، وقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم ، قال أهل السفينة : إن لسفينتنا لشأناً ، قال يونس : قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة ، قالوا : ومن هو ؟ قال : أنا ، اقذفوني في البحر ، قالوا : ما كنا لنطرحك من بيننا حتى نعذر في شأنك ، واسْتَهَمُوا فاقترعُوا ثلاثَ مرات فأدحض سهمه ، والحوت عند رِجْل السفينة فاغراً فاه ينتظر أمر ربَّه فيه ، فقال يونس : إنكم والله لتهلَكُنَّ جميعاً أو لَتَطْرَحُنَّنِي فيها ، فقذفوه فيه وانطلقوا وأخذه الحوت . ورُوي : أن الله تعالى أوحى إلى حوتٍ عظيم حتى قصد السفينة ، فلما رآه أهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغر فاه ينظر إلى مَنْ في السفينة كأنه يطلب شيئاً خافوا منه ، ولما رآه يونس زجّ نفسه في الماء . وعن ابن عباس : أنه خرج مغاضباً لقومه فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة ، فركبها فلما لججت السفينة ، تكفّأت حتى كادوا أن يغرقوا ، فقال الملاَّحون : هاهنا رجل عاصٍ أو عبد آبق ، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري ، ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ولأَنْ يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة بما فيها ، فاقترعوا ثلاثَ مرات ، فوقعت القرعة في كلها على يونس ، فقال يونس : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق ، فألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت ، ثم جاء حوت آخر أكبر منه وابتلع هذا الحوت ، وأوحى الله إلى الحوت لا تؤذي منه شعرة ، فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعاماً لك . ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نُودي الحوت : إنّا لم نجعل يونس لك قوتاً ، إنما جعلنا بطنك له حرزاً ومسجداً . ورُوي : أنه قام قبل القرعة فقال : أنا العبد العاصي والآبق ، قالوا : من أنت ؟ قال : أنا يونس بن متى ، فعرفوه فقالوا : لا نلقيك يارسول الله ، ولكن نُساهِمْ فخرجتِ القرعةُ عليه ، فألقى نفسه في الماء . قال ابن مسعود رضي الله عنه : ابتلعه الحوت فأهوى به إلى قرار الأرض السابعة ، وكان في بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى ، فنادى في الظلمات : أن لا إله إلاّ أنت سبحانَك إني كنتُ مِنَ الظالمين ، فأجاب الله له فأمر الحوت ، فنبذه على ساحل البحر ، وهو كالفرخ الممعط ، فأنبت الله عليه شجرةً من يقطين ، وهو الدباء ، فجعل يستظل تحتها ووكل به وعلة يشرب من لبنها ، فيبست الشجرة ، فبكى عليها فأوحى الله إليه : تبكي على شجرة يبست ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون وأردت أن أهلكهم ، فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى ، فقال : من أنت ياغلام ؟ قال : من قوم يونس ، قال : إذا رجعتَ إليهم فأخبرهم أني لقيت يونس ، فقال الغلام : قد تعلم أنه إن لم تكن لي بينة قُتِلتُ ، قال يونس عليه السلام : تشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة ، فقال له الغلام : فمُرْها ، فقال يونس : إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له ، قالتا : نعم ، فرجع الغلام ، فقال للملك : إني لقيت يونس فأمر الملك بقتله ، فقال : إنّ لي بينة ، فأرسلوا معي ، فأتى البقعة والشجرة ، فقال : أنشدكما هل أشهدكما يونس ؟ قالتا : نعم ، فرجع القوم مذعورين ، وقالوا للملك : شهد له الشجرة والأرض ، فأخذ الملك بيد الغلام وأجلسه في مجلسه ، وقال : أنت أحق بهذا المكان مني ، فأقام لهم أمرهم ذلك الغلامُ أربعين سنة .