Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-36)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ } ، وهما غلامان كانا للريان بن الوليد بن مروان العمليق ملك مصر الأكبر ، أحدهما : خبَّازه وصاحب طعامه ، والآخر : ساقيه وصاحب شرابه . غضب الملك عليهما فحبسهما . وكان السبب فيه : أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله ، فضمنوا لهذين مالاً ، ليسمَّا الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم ثم إن الساقي نكل عنه ، وقبل الخباز الرشوة فسّم الطعام ، فلما أحضر الطعام والشراب . قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإن الطعام مسموم ، وقال الخباز : لا تشرب فإن الشراب مسموم . فقال الملك للساقي : اشرب فشربه فلم يضره ، وقال للخباز : كل من طعامك ، فأبى فجرب ذلك الطعام على دابة فأكلته فهلكت ، فأمر الملك بحبسهما . وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلمّ فلنجرب هذا العبد ، فَتَرَاءَيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً ، قال ابن مسعود : ما رأيا شيئاً وإنّما تحالَما ليجرِّبَا يوسف . وقال قوم : بل كانا رأيا حقيقة ، فرآهما يوسف وهما مهمومان فسألهما عن شأنهما ، فذكرا أنهما صاحبا الملك ، وحبسهما ، وقد رأيا رؤيا غمتهما . فقال يوسف : قُصّا عليّ ما رأيتُما ، فقصَّا عليه . { قَالَ أَحَدُهُمَآ } ، وهو صاحب الشراب ، { إِنِّىۤ أَرَانِىۤ أَعْصِرُ خَمْراً } ، أي : عنباً ، سمي العنب خمراً باسم ما يؤول إليه ، كما يقال : فلان يطبخ الآجر أي يطبخ اللبِنَ للآجر . وقيل : الخمر العنب بلغة عمان ، وذلك أنه قال إني رأيتُ كأني في بستان ، فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه . { وَقَالَ ٱلأَخَرُ } ، وهو الخباز : { إِنِّىۤ أَرَانِىۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ } ، وذلك أنه قال : إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة وسباع الطير تنهش منه . { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ، أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤل إليه أمر هذه الرؤيا . { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، أي : العالمِين بعبارة الرؤيا ، والإِحسان بمعنى العلم . ورُوي أن الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، ما كان إحسانه ؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه ، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له ، وإذا احتاج جمع له شيئاً ، وكان مع هذا يجتهد في العبادة ، ويقوم الليل كله للصلاة . وقيل : إنه لما دخل السجن وجد فيه قوماً قد اشتد بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يُسلّيهم ويقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، فيقولون : بارك الله فيك ، يافتى ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك ، لقد بورك لنا في جواركَ فمن أنت يافتى ؟ قال : أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم ، فقال له عامل السجن : يافتى والله لو استطعت لخلَّيْت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك فتمكن في أيّ البيوت من السجن شئت . ويُروي أن الفتيين لمّا رأيا يوسف قالا له : لقد أحببناك حين رأيناك ، فقال لهما يوسف : أنشدكما بالله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلاّ دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ بلاء ، ثم أحبني أبي فألقيت في الجب ، وأحبتني امرأة العزيز فحبست ، فلما قصّا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبّر لهما ما سألاه لِمَا علم في ذلك من المكروه على أحدهما ، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره من إظهار المعجزة والدعاء إلى التوحيد .