Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 53-54)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِىۤ } ، من الخطأ والزلل فأزكيها ، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } ، بالمعصية { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّىۤ } ، أي : إلا من رحم ربي فعصمه ، { ما } بمعنى من كقوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } [ النساء : 3 ] أي : مَنْ طاب لكم - وهم الملائكة ، عصمهم الله عزّ وجلّ فلم يركِّبْ فيهم الشهوة . وقيل : « إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّىۤ » إشارة إلى حالة العصمة عند رؤية البرهان . { إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، فلما تبين للملك عذر يوسف عليه السلام وعرف أمانته وعلمه : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى } ، أي : أجعله خالصاً لنفسي ، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } ، فيه اختصار تقديره : فجاء الرسول يوسف فقال له : أجب الملك الآن . رُوي أنه قام ودعا لأهل السجن فقال : اللهم عطَّف عليهم قلوب الأخيار ، ولا تعمِّ عليهم الأخبار ، فهم أعلم الناس بالأخبار في كل بلد ، فلما خرج من السجن كتب على باب السجن : هذا قبر الأحياء ، وبيت الأحزان ، وتجربة الأصدقاء ، وشماتة الأعداء . ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثياباً حساناً وقصد الملك . قال وهب : فلما وقف بباب الملك قال : حسبي ربي من دنياي ، وحسبي ربي من خلقه ، عزّ جارُه ، وجلّ ثناؤُه ، ولا إله غيره . ثم دخل الدار فلما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره . فلما نظر إليه الملك سلّم عليه يوسف بالعربية فقال : له الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان عمي إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : هذا لسان آبائي ، ولم يعرف الملك هذين اللسانين . قال وهب : وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً فكلما تكلم بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان وزاد عليه بلسان العربية والعبرانية ، فأعجب الملك ما رأى منه مع حداثة سنه ، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فأجلسه و ، { قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ } ، المكانة في الجاه ، { أَمِينٌ } ، أي : صادق . ورُوي أنّ الملك قال له إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاهاً . فقال له يوسف : نعم أيها الملك ، رأيتَ سبع بقرات سمان شهب غرٍّ حِسَانٍ ، كشفَ لك عنهنَّ النيلُ ، فطلعنَ عليك من شاطئه تشخب أخلافهن لبناً ، فبينما أنت تنظر إليهن ويعجبك حُسنهنّ إذْ نضبَ النيلُ فغار ماؤه وبدا يبسه ، فخرج من حمأته سبع بقراتٍ عجافٍ شُعثٍ غُبرٍ مُتقلّصات البطون ، ليس لهن ضروع ولا أخلاف ، ولهن أنياب وأضراس وأكف كأكف الكلاب ، وخراطيم كخراطيم السباع ، فافترسن السمان افتراس السَّبُع ، فأكلن لحومهن ، ومزّقنَ جلودهنّ ، وحطمنَ عظامهنّ ، وتمششن مخهن ، فبينما أنت تنظر وتتعجب إذ سبع سنابل خضر وسبع أخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى والماء فبينما أنت تقول في نفسك أنى هذا ؟ خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد وأصولهنّ في الماء إذْ هَبَّتْ ريحٌ فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات فاشتعلت فيهن النار ، فاحترقْنَ فصرن سوداً فهذا ما رأيت ، ثم انتبهتَ من نومك مذعوراً . فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا - وإن كانت عجيبة - بأعجب مما سمعتُ منك ، فما ترى في رؤياي أيها الصديق ؟ فقال يوسف عليه السلام : أرى أن تجمع الطعام وتزرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة ، وتجعل الطعام في الخزائن بقصبه وسنبله ليكون القصب والسنبل عَلَفاً للدواب ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخُمسَ ، فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر وَمَنْ حولها ، ويأتيك الخلق من النواحي للميرة فيجتمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد قبلك . فقال الملك : ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفيني الشغل فيه ؟ .