Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 56-57)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } ، يعني : أرض مصر ملكناه ، { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا } ، أي : ينزل { حَيْثُ يَشَآءُ } ، ويصنع فيها ما يشاء . قرأ ابن كثير : { نشاء } بالنون رداً على قوله : { مَكَّنَّا } وقرأ الآخرون بالياء رداً على قوله { يَتَبَوَّأُ } . { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ } ، أي : بنعمتنا ، { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، قال ابن عباس ووهب : يعني الصابرين . قال مجاهد وغيره : فلم يزل يوسف عليه السلام يدعو الملك إلى الإِسلام ويتلطف له حتى أسلم الملك وكثير من الناس ، فهذا في الدنيا . { وَلأَجْرُ ٱلأَخِرَةِ } ، ثواب الآخرة ، { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } . فلما اطمأن يوسف في ملكه دبَّر في جمع الطعام بأحسن التدبير ، وبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق بالمعروف حتى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد الناس بمثله . ورُوي أنه كان قد دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط كان أول من أخذه الجوع هو الملك في نصف الليل فنادى يايوسف الجوعَ الجوعَ ! . فقال يوسف : هذا أوان القحط . ففي السنة الأولى من سنيِّ الجدب هلك كل شيء أعدُّوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام ، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم السنة الرابعة بالعبيد والإِماء حتى لم يبق في يد أحد عبد ولا أمة ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى استرقهم ، ولم يبق بمصر حرّ ولا حرة إلا صار عبداً له . فقال الناس : ما رأينا يوماً كاليوم ملكاً أجلّ ولا أعظم من هذا . ثم قال يوسف للملك : كيف رأيت صنع ربي فيما خوَّلني فما ترى في ذلك ؟ فقال له الملك : الرأي رأيك والأمر إليك ونحن لك تبع . قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددْتُ عليهم أملاكهم . ورُوي أن يوسف كان لايشبع من طعام في تلك الأيام ، فقيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ . فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار . قال : وقصد الناسُ مصرَ من كل أوبٍ يمتارون الطعام فجعل يوسف لا يمكن أحداً منهم وإن كان عظيماً من أكثر من حمل بعير تقسيطاً بين الناس ، وتزاحم الناس عليه فأصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب الناس في سائر البلاد من القحط والشدة ، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس ، فأرسل بنيه إلى مصر للميرة ، وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه ، فذلك قوله تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } .