Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 9-11)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْكَبِيرُ } ، الذي كل شيء دونه ، { ٱلْمُتَعَالِ } ، المستعلي على كل شيء بقدرته . قوله تعالى : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } ، أي : يستوي في علم الله المُسِرُّ بالقول والجاهر به ، { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ } ، أي : مستتر بظلمة الليل ، { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } ، أي : ذاهب في سربه ظاهر . والسَّرب بفتح السين وسكون الراء ـ : الطريق . قال القتيبي : سارب بالنهار : أي متصرف في حوائجه . قال ابن عباس في هذه الآية : هو صاحب ريبة ، مستخفٍ بالليل ، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإِثم . وقيل : مستخف بالليل ، أي ظاهر ، من قولهم : خفيت الشيء ؛ إذا أظهرته ، وأخفيته : إذا كتمته . وسارب بالنهار : أي متوارٍ داخل في سرب . { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ } ، أي : لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار ، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار ، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل . والتعقيب : العود بعد البدء ، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقِّب ، وجمعه معقِّبة ، ثم جمع الجمع معقِّبات ، كما قيل : ابناوات سعد ورجالات بكر . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَتَعاقَبُون فيكم ، ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصر ، ثم يَعْرُجُ الذين بَاتُوا فيكم ، فيسألُهم ربهم - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادِي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلُّون وأتيناهم وهم يصلُّون " . قوله تعالى : { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } ، يعني : من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، ومن خلفه : من وراء ظهره ، { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } ، يعني : بأمر الله ، أي : يحفظونه بإذن الله تعالى مالم يجيء المقدور ، فإذا جاء المقدور خلوا عنه . وقيل : يحفظونه من أمر الله : أي مما أمر الله به من الحفظ عنه . قال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكَّل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإِنس والهوامّ ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك ! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه . قال كعب الأحبار : لولا أن الله عزّ وجلّ وكَّل بكم ملائكة يَذُبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطَّفكم الجن . وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم . وقيل : الآية في المَلَكَيْن القاعِدَيْن عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، كما قال الله تعالى : { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] . وقال ابن جريج : معنى يحفظونه أي : يحفظون عليه أعماله من أمر الله ، يعني : الحسنات والسيئات . وقيل : الهاء في ( له ) : راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى جؤيبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ، يعني : من شر الجن وطوارق الليل والنهار . وقال عبدالرحمن بن زيد : نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة ، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، وهما عامريان ، يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجلِّ الناس . فقال رجل : يارسول الله ، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه فإن يرد الله به خيراً يهده . فأقبل حتى قام عليه ، فقال : يامحمد مالي إن أسلمت ؟ قال : " لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين " . قال : تجعل لي الأمر بعدك . قال : ليس ذلك إلي ، إنما ذلك إلى الله عزّ وجلّ ، يجعله حيث يشاء . قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ، قال : لا . قال : فماذا تجعل لي ؟ قال : أجعل لك أَعِنة الخيل تغزو عليها . قال : أوليس ذلك لي اليوم ؟ قم معي أكلِّمك . فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد من خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه ، فاخترط من سيفه شبراً ، ثم حبسه الله عنه ، فلم يقدر على سلِّه ، وجعل عامر يومىء إليه ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى أربد وما صنع بسيفه ، فقال : اللهم أكفنيهما بما شئت . فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته ، وولَّى عامر هارباً وقال : يامحمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنَّها عليك خيلاً جرداً وفتياناً مرداً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : : يمنعك الله تعالى من ذلك ، وابنا قيلة يريد : الأوس والخزرج . فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلما أصبح ضمَّ عليه سلاحه وقد تغير لونه ، فجعل يركض في الصحراء ، ويقول : أبرز ياملك الموت ، ويقول الشعر ، ويقول واللات لئن أبصرت محمداً وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنّهما برمحي ، فأرسل الله ملكاً فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غُدَّة عظيمة ، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية . ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل عامر ابن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة " وأنزل الله عزّ وجلّ في هذه القصة قوله : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } ، يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله . يعني تلك المعقبات من أمر الله ، وفيه تقديم تأخير . وقال لهذين : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } ، من العافية والنعمة ، { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } . من الحال الجميلة فيعصوا ربهم . { وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءاً } ، أي : عذاباً وهلاكاً { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } أي : لا رادَّ له ، { وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } ، أي : ملجأ يلجؤون إليه ، وقيل : والٍ يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم .