Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } سبحان الله : تنّزيه الله تعالى من كل سوء ، ووصفه بالبراءة من كل نقص على طريق المبالغة ، وتكون " سبحان " بمعنى التعجب ، " أسرى بعبده " أي : سيّره ، وكذلك سرى به ، والعبد هو : محمد صلى الله عليه وسلم . { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، قيل : كان الإِسراء من مسجد مكة . روى قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا في المسجد الحرام في الحِجْر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق " ، فذكر حديث المعراج . وقال قوم : عرج به من دار أم هانىء بنت أبي طالب ، ومعنى قوله : { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي : من الحرم . قال مقاتل : كانت ليلة الإِسراء قبل الهجرة بسنة . ويقال : كان في رجب . وقيل : كان في شهر رمضان . { إِلَىٰ المَسْجِدِ الأَقْصَى } ، يعني : بيت المقدس ، وسُمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار . وقيل : لبعده عن المسجد الحرام . { ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ } ، بالأنهار والأشجار والثمار . وقال مجاهد : سماه مباركاً لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي ، ومنه يحشر الناس يوم القيامة . { لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَـٰتِنَآ } ، من عجائب قدرتنا ، وقد رأي هناك الأنبياء والآيات الكبرى . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } ، ذكر " السميع " لينبِّه على أنه المجيب لدعائه ، وذكر " البصير " لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل . وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول : ما فقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه . والأكثرون على أنه أسرى بجسده في اليقظة ، وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك . أخبرنا أبو عمر عبدالواحد بن أحمد بن المليحي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبدالله النعيمي ، أخبرنا أبو عبدالله محمد بن يوسف ، حدثنا أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا هُدْبَةُ ابن خالد ، حدثنا همام بن يحيـى ، حدثنا قتادة ( ح ) قال البخاري : وقال لي خليفة العصفري : حدثنا يزيد ابن زريع ، حدثنا سعيد وهشام . قالا : حدثنا قتادة ( ح ) عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، حدثهم عن ليلة أسري به ، ( ح ) قال البخاري : حدثنا يحيـى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال : كان أبو ذر يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ح ) ، وأخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبدالقاهر ، أخبرنا أبو الحسن عبدالغافر بن محمد الفارسي أنبأنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دخل حديث بعضهم في بعض قال أبو ذر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فُرِّج عني سقف بيتي ، وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرَّج صدري ، ثم غسله بماء زمزمَ ، ثم جاء بطَسْتٍ من ذهب ممتلىءٍ حكمةً وإيماناً ، فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه " . وقال مالك بن صعصعة : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم عن ليلة أسري به قال : " بينما أنا في الحطيم ، وربما قال في الحِجْر ، بين النائم واليقظان " ، وذكر بين رجلين ، " فأتيت بَطسْتٍ من ذهب مملوء حكمة وإيماناً فشقَّ من النَحْر إلى مَرَاقِّ البطن ، واستخرج قلبي فغسل ثم حُشِي ، ثم أُعيد " . وقال سعيد وهشام : " ثم غُسِلَ البطنُ بماء زمزم ثم ملىء إيماناً وحكمةً ، ثم أُوتيتُ بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طَرْفِه ، فركبتُه فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس ، قال فربطته بالحلقة التي تَرْبِط بها الأنبياء ، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترتَ الفطرةَ ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، قيل من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنِعْمَ المجيءُ جاء ، ففُتِح ، فلما خَلَصْتُ ، فإذا فيها آدم ، فقال لي : هذا أبوك آدم ، فسلِّم عليه ، فسلمتُ عليه ، فردَّ السلام ، ثم قال : مرْحباً بالنبي الصالح والابن الصالح " . وفي حديث أبي ذر : " عَلَوْنَا السماء الدنيا ، فإذا رجلٌ قاعدٌ عن يمينه أَسْوِدَةٌ وعن يساره أَسْوِدة ، إذا نظر قِبَلَ يمينه ضحك ، وإذا نظر قِبَلَ شماله بكى ، فقال مرحباً بالنبِّي الصالح ، والابن الصالح ، قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نَسَمُ بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر قِبَلَ شماله بكى . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل ، ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيءُ جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، إذا بيحيـى وعيسى ، عليهما السلام ، وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيـى وعيسى ، فسلم عليهما ، فسلَّمت فردَّا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبيِّ الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يوسف ، وإذا هو قد أُعطي شطر الحسن ، قال : هذا يوسف فسلِّمْ عليه ، فسلمتُ عليه فردّ عليّ ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلِّم عليه ، فسلمت عليه ، فردّ ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيءُ جاء ، فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلِّمْ عليه ، فسلمت عليه فردَّ ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيءُ جاء ، فلما خَلَصْتُ فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلِّمْ عليه ، فسلمتُ عليه فردّ ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فلما جاوزتُ بكى قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعِثَ بعدي يدخل الجنةَ من أمته أكثرُ ممن يدخلها من أمتي . ثم صَعِدَ بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصتُ فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك إبراهيم ، فسلِّمْ عليه فسلمتُ عليه فردّ السلام ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، فَرُفِع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل ؟ فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " . وقال ثابت عن أنس : " فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف مَلَكٍ لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نَبِقُها مثل قِلاَل هَجَرَ ، وإذا ورقها مثل آذان الفِيَلة ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيَّرت ، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حُسْنِها ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ فقال : أما الباطنان ، فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات . وأوحٰى إلَّي ما أَوحي ، فَفَرَض عليَّ خمسين صلاةً في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى ، فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجعْ إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخَبَرْتُهُم ، قال : فرجعتُ إلى ربي فقلت : يا رب خفِّف على أمتى ، فحطَّ عني خمساً ، فرجعت إلى موسى فقلت : حطَّ عني خمساً ، قال : إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال : يا محمَّدُ إنهنّ خمسُ صلواتٍ كلَّ يومٍ وليلة ، لكل صلاةٍ عَشْرٌ ، هي خمسٌ وهي خمسون ، لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ ومَنْ همّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً ، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها لم تكتب شيئاً ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال : فنزلت حتى انتهيتُ إلى موسى فأخبرتهُ ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فقلت : سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأُسلِّمُ ، قال : فلما جاوزت نادى منادٍ : أمضيتُ فريضتي وخففتُ عن عبادي ، ثم أُدْخِلْتُ الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " . قال ابن شهابٍ : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حَبَّة الأنصاري ، كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم عُرِج بي حتى ظهرتُ لمستوىً فيه صريف الأقلام " . قال ابن حزم وأنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ففرض الله على أمتي خمسين صلاة " وروى مَعْمَرٌ عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم : " أُتي بالبُراق ليلة أسريَ به مُلْجَمَاً مُسْرَجَاً ، فَاسْتَصْعَبَ عليه ، فقال جبريل : أبمحمدٍ تفعلُ هذا ؟ فما ركبك أحدٌ أكرمُ على الله منه ، فارفضَّ عرقاً " . وقال ابن بريدة عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه ، فخرق بها الحجر وشدّبها البُراق . " أنبأنا عبدالواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، أنبأنا عبدالرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة أسري بي لقيتُ موسى ، قال فَنَعَتَهُ ، فإذا هو رجل - حسبته قال مُضْطَرِبٌ ، رَجِلُ الرأس كأنه من رجال شَنُوءَة " . قال : ولقيتُ عيسى ، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ربْعة ، أحمر ، كأنما خرج من ديماس ، يعني : الحمام ، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به ، قال : وأُتِيْت بإناءين : أحدهما لبن ، والآخر فيه خمر ، فقيل لي : خذْ أيهما شئت ، فأخذت اللَّبَنَ فشربته ، فقيل لي : هديت الفطرة أو أصبت الفطرة ، أمَا إنك لو أخذتَ الخمر غَوَتْ أَمتُك " . أنبأنا عبدالواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } ، قال : هي رؤيا عين أُرِيَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسريَ به إلى بيت المقدس . قال : والشجرة الملعونة في القرآن قال : هي شجرة الزقوم . أخبرنا عبدالواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله ، حدثني سليمان ، عن شريك بن عبدالله قال : سمعت أنس بن مالك يقول : " ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نَفَرٍ ، قبل أن يوحى إليه ، وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلِّموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم ، فشقَّ جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده . وساق حديث المعراج بقصته . فقال : فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يَطَّرِدَان ، قال : هذا النيل والفرات ، عنصرهما واحد ، ثم مضى به إلى السماء الثانيه ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أَذْفر ، قال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربُّك . وساق الحديث ، وقال : ثم عُرج بي إلى السماء السابعة ، وقال : قال موسى : ربِّ لم أظن أن ترفع علي أحداً ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار ربُّ العزة فتدلَّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما يوحي إليه الله خمسين صلاة كل يوم وليلة ، وقال : فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس . فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من ذلك فضعفوا عنه وتركوه ، فأمّتُك أضعف قلوباً وأجساداً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً ، فارِجعْ فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة ، فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ، قال : إنه لا يبدل القول لديَّ كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضاً . فقال رسول الله : " قد والله استحييت من ربي مما اختلفتُ إليه " ، قال : فاهبط بسم الله ، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام " . وروى مسلم هذا الحديث مختصراً عن هارون بن سعيد الإِيلي ، عن ابن وهب ، عن سليمان ابن بلال . قال شيخنا الإِمام رضي الله عنه : قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا لمحمد بن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا هذا ، وأحال الأمر فيه إلى شريك بن عبدالله ، وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه ، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة قبل الهجرة بسنة . وفيه أيضاً : " أن الجبار دنا فتدلى " . وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه السلام . قال شيخنا الإِمام رضي الله عنه : وهذا الاعتراض عندي لا يصح ، لأن هذا كان رؤيا في النوم ، أراه الله عزّ وجلّ قبل الوحي ، بدليل آخر الحديث ، قال : فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقاً لرؤياه من قبل ، كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله عزّ وجلّ : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } [ الفتح : 27 ] . وروي أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال : " يا جبريل إن قومي لا يصدِّقوني " ، قال : يصدقك أبو بكر وهو الصدِّيق . قال ابن عباس ، وعائشة ، رضي الله عنهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما كانت ليلة أسري بي فأصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس مكذِّبي ، فروي أنه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمرَّ به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزىء : هل استفدت من شيء ؟ قال : نعم إني أسري بي الليلة قال : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ، قال : نعم ، فلم يرَ أبو جهل أنه ينكر ، مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتحدث قومك ما حدثتني به ؟ قال : نعم ، قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلمُّوا ، قال : فانفضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما ، قال : فحدث قومك ما حدثتني ، قال : نعم إني أسريَ بي الليلة ، قالوا إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم ، قال : فمن بين مصفّق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً ، وارتدَّ ناس ممن كان آمن به وصدقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال : أوقد قال ذلك ؟ قال : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق . قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ، فقالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الأقصى ؟ قال : نعم ، قال : فذهبت أنعتُ وأنعتُ ، فما زلت أنعت حتى التبس عليَّ [ بعض النعت ] ، قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعتُّ المسجد ، وأنا أنظر إليه ، فقال القوم : أمّا النعت فوالله لقد أصاب ، ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا هي أهمُّ إلينا ، فهل لقيت منها شيئاً ؟ قال : نعم مررت على عير بني فلان ، وهي بالرَّوْحاء ، وقد أضلوا بعيراً لهم ، وهم في طلبه ، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ، ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ، قالوا : هذه آية ، قال : ومررت بعير بني فلان وفلانٌ وفلان راكبان قعوداً لهما بذي طُوَى ، فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان ، فانكسرت يده ، فسلوهما عن ذلك ، فقالوا : وهذه آية ، قالوا : فأخبِرْنا عن عيرنا نحن ؟ قال : مررت بها بالتنعيم ، قالوا : فما عِدَّتُها وأحمالها وهيئتها ومن فيها ، فقال : نعم ، هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشمس ، قالوا : وهذه آية أخرى ، ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون : والله لقد قصَّ محمد شيئاً وبيَّنه حتى أتوا كُدَىً ، فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه ، إذْ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت ، وقال آخر : وهذه والله الإِبل قد طلعت ، يقدمها بعير أورق ، فيها فلان وفلان ، كما قال لهم ، فلم يؤمنوا ، " وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين " .