Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-64)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في قوله عزّ وجلّ : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أي : خلقته من طين أنا جئتُ به ، وذلك ما رُوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن الله تعالى بعث إبليس حتى أخذ كفاً من تراب الأرض من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فمَنْ خلَقَه من العذب فهو سعيد ، وإن كان ابن كافرين ، ومَنْ خلقه من الملح فهو شقي وإن كان ابن نبيين . { قَالَ } ، يعني إبليس : { أَرَأَيْتَكَ } أي أخبِرْني ، والكاف لتأكيد المخاطبة ، { هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } أي : فضلته عليّ : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ } أمهلتني { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي : لأستأصلنّهم بالإِضلال ، يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله . وقيل : هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها : إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلاً يقودها ، أي : لأقودّنهم كيف شئت . وقيل : لأستولينّ عليهم بالإِغواء ، { إِلاَّ قَلِيلاً } ، يعني المعصومين الذين استثناهم الله عزّ وجلّ في قوله : { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [ الحجر : 42 ] . { قَالَ } الله : { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ } أي : جزاؤك وجزاء أتباعك ، { جَزَاءً مَّوْفُورًا } ، وافراً مكملاً ، يقال : وفرته أوفره وفراً . وقوله : { وَٱسْتَفْزِزْ } ، واستخفف واستجهِدْ ، { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم } ، أي : من ذرية آدم ، { بِصَوْتِكَ } ، قال ابن عباس وقتادة : بدعائك إلى معصية الله ، وكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس . قال الأزهري : معناه ادعهم دعاء تستفزهم به إلى جانبك ، أي : تستخفهم . وقال مجاهد : بالغناء والمزامير . { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ، قيل : اجمع عليهم مكايدك وخيلك ، ويقال : " أجْلَبُوا " ، و " جَلَبُوا " ، إذا صاحوا ، يقول : صِحْ بخيلك ورجلك وحُثَّهم عليه بالإِغواء . قال مقاتل : استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم ، والخيل : الركبان ، والرَّجِل : المشاة . قال أهل التفسير : كل راكب وماشٍ في معاصي الله فهو من جند إبليس . وقال مجاهد وقتادة : إن له خيلاً ورَجِلاً من الجن والإِنس ، وهو كل من يقاتل في المعصية ، والرَّجْل والرَّجَّالة والرَّاجلة واحد ، يقال : رَاجِلٌ ورَجْل ، مثل : تاجِر وتَجْر ، ورَاكِب ورَكْب . وقرأ حفص ورجِلك بكسر الجيم وهما لغتان . { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ } ، فالمشاركة في الأموال : كل ما أصيب من حرام ، أو أنفق في حرام ، هذا قول مجاهد والحسن وسعيد بن جبير . وقال عطاء : هو الربا وقال قتادة هو ما كان المشركون يحرمونه من الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وقال الضحاك : هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم . وأما المشاركة في الأولاد : رُوي عن ابن عباس : أنها المؤودة . وقال مجاهد والضحاك : هم أولاد الزنا . وقال الحسن ، وقتادة : هو أنهم هوَّدوا أولادهم ، ونصّروهم ومجَّسُوهم . وعن ابن عباس رواية أخرى : هو تسميتهم الأولاد عبدالحارث وعبد شمس ، وعبدالعزى ، وعبدالدار ، ونحوها . وروي عن جعفر بن محمد أن الشيطان يقعد على ذكر الرجل فإذا لم يقل " بسم الله " أصاب معه امرأته ، وأنزل في فرجها كما يُنْزِل الرجل . وروي في بعض الأخبار : إن فيكم مغرِّبين ، قيل : وما المغرِّبون ؟ قال : الذي يشارك فيهم الجن . وروي أن رجلاً قال لابن عباس : إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار ؟ قال : ذلك من وطء الجن . وفي الآثار : أن إبليس لما أخرج إلى الأرض ، قال : يا رب أخرجتَنِي من الجنة لأجل آدم ، فَسَلِّطْني عليه وعلى ذريته ، قال : أنت مسلَّط ، فقال : لا أستطيعه إلا بك فزدني ، قال : استفزز من استطعت منهم بصوتك ، الآية ، فقال آدم : يا رب سلطت إبليس عليّ وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك ، قال : لا يولد لك ولد إلاّ وكلت به من يحفظونه ، قال : زدني ، قال : الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، قال : زدني ، قال : التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد ، فقال : زدني ، قال : { يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] الآية . وفي الخبر : أن إبليس قال : يا رب بعثتَ أنبياءَ وأنزلت كتباً فما قراءتي ؟ قال : الشعر ، قال : فما كتابي ؟ قال : الوشم ، قال : ومن رسلي ؟ قال : الكهنة ، قال : وأين مسكني ؟ قال : الحمَّامات ، قال : وأين مجلسي ؟ قال : الأسواق ، قال : أي شيء مطعمي ؟ قال : ما لم يُذكر عليه اسمي ، قال : ما شرابه ؟ قال : كل مسكر ، قال : وما حبالي ؟ قال : النساء ، قال : وما أذاني ؟ قال : المزامير . قوله عزّ وجلّ : { وَعِدْهُمْ } ، أي : مَنِّهم الجميل في طاعتك . وقيل : قل لهم : لا جنة ولا نار ولا بعث . { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا } ، والغرور تزيين الباطل بما يظن أنه حق . فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء وهو يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } [ الأعراف : 28 ] ؟ قيل : هذا على طريق التهديد ، كقوله تعالى : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصِّلت : 40 ] ، وكقول القائل : افعل ما شئت فسترى .