Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 74-76)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ } ، على الحق بعصمتنا ، { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ } أي : تميل ، { إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } أي : قريباً من الفعل . فإن قيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً ، فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر ؟ . قيل : كان ذلك خاطرَ قلبٍ ، ولم يكن عزماً وقد غفر الله عزّ وجلّ عن حديث النفس . قال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " والجواب الصحيح هو : أن الله تعالى قال : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } وقد ثَبَّته الله ، فلم يركن ، وهذا مثل قوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 83 ] ، وقد تفضل فلم يتَّبِعوا . { إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } ، أي : لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة ، وضعف عذاب الممات ، يعني أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة . وقيل : " الضعف " : هو العذاب ، سمي ضعفاً لتضاعف الألم فيه . { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } ، أي : ناصراً يمنعك من عذابنا . قوله تعالى : { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } ، اختلفوا في معنى الآية ، فقال بعضهم : هذه الآية مدنية . قال الكلبي : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة حسداً منهم ، فأتوه وقالوا : يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإنّ أرض الأنبياء الشام ، وهي الأرض المقدسة ، وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإن كنت نبياً مثلهم فأتِ الشام ، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم ، وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله ، فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة . وفي رواية : إلى ذي الحُليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج ، فأنزل الله هذه الآية و " الأرض " هاهنا هي المدينة . وقال مجاهد وقتادة : " الأرض " أرض مكة . والآية مكية ، هَمَّ المشركون أن يُخرجوه منها ، فكفّهم الله عنه حتى أمره بالهجرة ، فخرج بنفسه . وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية . وقيل : هم الكفار كلهم ، أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه ، فمنع الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أمَّلوا ، والاستفزاز هو : الإِزعاج بسرعة . { وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَـٰفَكَ } أي : بعدك ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب { خِلَـٰفَكَ } اعتباراً بقوله تعالى : { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 81 ] ، ومعناهما واحد . { إِلاَّ قَلِيلاً } أي : لا يلبثون بعدك إلا قليلاً حتى يهلكوا ، فعلى هذا القول الأول : مدة حياتهم ، وعلى الثاني : ما بين خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن قتلوا ببدر .