Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 84-85)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } ، قال ابن عباس : على ناحيته . قال الحسن وقتادة : على نيّته . وقال مقاتل : على خليقته . قال الفراء على طريقته التي جبل عليها . وقال القتيبي : على طبيعته وجبلَّته . وقيل : على السبيل الذي اختاره لنفسه ، وهو من الشكل ، يقال : لستَ على شكلي ولا شاكلتي ، وكلها متقاربة ، تقول العرب : طريق ذو شواكل إذا تشعبت منه الطرق ، ومجاز الآية : كل يعمل على ما يشبهه ، كما يقال في المثل : كل امرىء يشبهه فعله . { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أوضح طريقاً . قوله تعالى : { وَيَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } ، الآية . أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبدالواحد يعني ابن زياد حدثنا الأعمش عن إبراهيم ، عن علقمة " عن عبدالله قال : بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حَرْثِ المدينة ، وهو يتوكأ على عَسِيْبٍ معه ، فمرّ بنفر من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، وقال بعضهم : لا تسألوه ، لا يجيء فيه بشيء تكرهونه ، فقال بعضهم : لنسألنَّه ، فقام رجل منهم فقال : يا أبا القاسم ما الرُّوح ؟ فسكت ، فقلت : إنه يُوْحَٰى إليه ، فقمت ، فلما انجلى عنه الوحي ، قال : { وَيَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } " قال الأعمش : هكذا في قراءتنا . ورُوي عن ابن عباس أنه قال : " إن قريشاً قد اجتمعوا وقالوا : إن محمداً نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب ، وقد ادعى ما ادعى ، فابعثوا نفراً إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا جماعة إليهم ، فقالت اليهود : سلوه عن ثلاثة أشياء ، فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها ، فليس بنبي ، وإن أجاب عن اثنين ولم يجب عن واحدة فهو نبي فسلوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ، ما كان من أمرهم ؟ فإنه كان لهم حديث عجيب ، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره ؛ وعن الروح ، فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم غداً ولم يقل إن شاء الله ، فلبث الوحي - قال مجاهد : اثني عشرة ليلة ، وقيل : خمسة عشر يوماً . وقال عكرمة : أربعين يوماً - وأهل مكة يقولون : وعدنا محمد غداً وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء ، حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشقَّ عليه ما يقوله أهل مكة ، ثم نزل جبريل بقوله : " ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله " ، ونزلت قصة الفتية " أم حسبتَ أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " ، ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب " ويسئلونك عن ذي القرنين " ، ونزل في الروح " ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " . واختلفوا في الروح الذي وقع السؤال عنه ، فرُوي عن ابن عباس : أنه جبريل ، وهو قول الحسن وقتادة . ورُوي عن علي أنه قال : هو ملك له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان ، يسبِّح الله تعالى بكلها . وقال مجاهد : خَلْقٌ على صُوَرِ بني آدم ، لهم أيدٍ وأرجل ورؤوس ، وليسوا بملائكة ، ولا ناس ، يأكلون الطعام . وقال سعيد بن جبير : لم يخلق الله تعالى خلقاً أعظم من الروح غير العرش ، لو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل ، صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين ، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عزّ وجلّ اليوم عند الحجب السبعين ، وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أن بينه وبين الملائكة ستراً من نور لاحترق أهل السموات من نوره . وقيل : الروح هو القرآن . وقيل : المراد منه عيسى عليه السلام ، فإنه روح الله وكلمته ، ومعناه : أنه ليس كما يقول اليهود ولا كما يقوله النصارى . وقال قوم : هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإِنسان ، وهو الأصح . وتكلم فيه قوم فقال بعضهم : هو الدم ، ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم ؟ وقال قوم : هو نَفَسُ الحيوان ، بدليل أنه يموت باحتباس النفس . وقال قوم : هو عَرَض . وقال قوم : هو جسم لطيف . وقال بعضهم : الروح معنًى اجتمع فيه النور والطيب والعلوُّ والبقاء ، ألا ترى أنه إذا كان موجوداً يكون الإِنسان موصوفاً بجميع هذه الصفات ، فإذا خرج ذهب الكل ؟ وأولى الأقاويل : أن يوكل علمه إلى الله عزّ وجلّ ، وهو قول أهل السنة . قال عبدالله بن بريدة : إن الله لم يُطْلِعْ على الروح مَلَكاً مقرَّباً ، ولا نبياً مرسلاً . وقوله عزّ وجلّ : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } قيل : من علم ربي . { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : في جنب علم الله . قيل : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم . وقيل : خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الروح ، ولكن لم يخبر به أحداً لأن ترك إخباره به كان عَلَماً لنبوته . والأول أصح ؛ لأن الله عزّ وجلّ استأثر بعلمه .