Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 91-94)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { كَذَٰلِكَ } ، قيل : معناه كما بلغ مغرب الشمس كذلك بلغ مطلعها ، والصحيح أن معناه : كما حكم في القوم الذين هم عند مغرب الشمس كذلك حكم في الذين هم عند مطلع الشمس ، { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } ، يعني : بما عنده ومعه من الجند ، والعدة ، والآلات " خبراً " أي : علماً . { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } . { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } ، قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ وحفصٌ { السدين } و { سداً } هاهنا بفتح السين ، وافق حمزة والكسائي في " سَداً " ، وقرأ الباقون : بضم السين ، وفي يس " سداً " بالفتح حمزة والكسائي ، وحفص وقرأ الباقون بالضم ، منهم من قال : هما لغتان ، معناهما واحد . وقال عكرمة : ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّد بالفتح ، وما كان من صنع الله فهو سُدٌّ بالضم ، وقاله أبو عمرو . وقيل : " السَّد " : بالفتح مصدر ، وبالضم اسم ، وهما هاهنا : جبلان ، سدَّ ذو القرنين ما بينهما ، حاجزاً بين يأجوج ومأجوج ومن ورائهم . { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً } يعني : أمام السّدَّيْن . { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } ، قرأ حمزة ، والكسائي : " يُفْقِهُون " بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يفقهون غيرهم قولاً ، وقرأ الآخرون : بفتح الياء والقاف ، أي لا يفقهون كلام غيرهم ، قال ابن عباس : لا يفقهون كلام أحد ، ولا يفهم الناس كلامهم . { قَالُواْ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } فإن قيل : كيف قالوا ذلك وهم لا يفقهون ؟ . قيل : كلَّم عنهم مترجم ، دليله قراءة ابن مسعود : لا يكادون يفقهون قولاً قال الذين من دونهم ياذا القرنين . { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } ، قرأهما عاصم بهمزتين ، وكذلك في الأنبياء ، " فتحت يأجوج ومأجوج " ، والآخرون بغير همز في السورتين ، وهما لغتان ، أصلهما من أجيج النار ، وهو ضوؤها وشررها ، شُبِّهوا به لكثرتهم وشدتهم . وقيل : بالهمزة من شدة أجيج النار ، وبترك الهمز اسمان أعجميان ، مثل هاروت وماروت ، وهم من أولاد يافث بن نوح . قال الضحاك : هم جيل من الترك . قال السدي : الترك سرية من يأجوج ومأجوج ، خرجت فضرب ذو القرنين السد ، فبقيت خارجه ، فجميع الترك منهم . وعن قتادة : أنهم اثنان وعشرون قبيلة ، بنى ذو القرنين السدّ على إحدى وعشرين قبيلة فبقيت قبيلة واحدة فهم الترك ، سموا الترك لأنهم تُركوا خارجين . قال أهل التواريخ : أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب والعجم والروم ، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ، ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ، ويأجوج ومأجوج ، قال ابن عباس في رواية عطاء : هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء . روي عن حذيفة مرفوعاً : إن يأجوج أمة ، ومأجوج أمة ، كل أمة أربعمائة ألف أمة ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كلهم قد حمل السلاح وهم من ولد آدم ، يسيرون إلى خراب الدنيا . وقيل : هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز ، شجر بالشام ، طوله عشرون ومائة ذراع في السماء ، وصنف منهم عرضه وطوله سواء ، عشرون ومائة ذراع ، وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف الأخرى ، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان ، يشربون أنهار المشارق وبحيرة طبرية . وعن علي أنه قال : منهم من طوله شبر ، ومنهم من هو مفرط في الطول . وقال كعب : هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب ، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم . وذكر وهب بن منبه : أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز ، فلما بلغ كان عبداً صالحاً . قال الله له : إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم ، منهم أمتان بينهما طول الأرض : إحداهما عند مغرب الشمس ، يقال لها ناسك ، والأخرى عند مطلعها ، يقال لها منسك ، وأمتان بينهما عرض الأرض ، إحداهما : في القطر الأيمن ، يقال لها : هاويل ، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها : تأويل ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإِنس ويأجوج ومأجوج ، فقال ذو القرنين : بأي قوة أكابرهم ؟ وبأي جمع أكاثرهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ قال الله عزّ وجلّ : إني سأطوقك وأبسط لك لسانك ، وأشد عضدك فلا يهولنّك شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك ، يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك ، فانطلق ، حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيه إلا الله ، فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد ، فدعاهم إلى الله وعبادته ، فمنهم من آمن ، ومنهم من صدَّ عنه ، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته ، فجنّد من أهل المغرب جنداً عظيماً فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ، ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها وجنّد منها جنوداً كفعله في الأمتين ، ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فأتى تاويل فعمل فيها كعمله فيما قبلها ، ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض ، فلما دنا مما يلي منقطع الترك نحو المشرق ، قالت له أمة صالحة من الإِنس : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش ، لهم أنياب وأضراس كالسباع ، يأكلون الحيات والعقارب ، وكل ذي روح ، خلق في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ، ولا شك أنهم سيملؤون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها ، فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ، قال ما مكنّي فيه ربي خير ، قال : أعدوا إلي الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم ، فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب كالأظفار في أيدينا وأنياب وأضراس كالسباع ، ولهم هدب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ويتقون به من الحر والبرد ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى ، يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا ، فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين ، فقاس ما بينهما ، فحفر له الأساس حتى بلغ الماء ، وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس ، يذاب فيصب عليه ، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض . قوله تعالى : { قَالُوا يَاذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } ، قال الكلبي : فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلاّ أكلوه ولا شيئاً يابساً إلاّ احتملوا ، وأدخلوه أرضهم ، وقد لقوا منهم أذى شديداً وقتلاً . وقيل : فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس . وقيل : معناه أنهم سيفسدون في الأرض عند خروجهم . { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } ، قرأ حمزة والكسائي { خراجاً } بالألف ، وقرأ الآخرون { خرجاً } بغير ألف ، وهما لغتان بمعنًى واحد ، أي جُعْلاً وأجراً من أموالنا . وقال أبو عمرو : " الخرج " : ما تبرعت به ، و " الخراج " : ما لزمك أداؤه . وقيل : " الخراج " : على الأرض ، و " الخرج " : على الرقاب . يقال : أدِّ خَرْجَ رأسك وخراج مدينتك . { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا } ، أي حاجزاً ، فلا يصلون إلينا .