Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 273-274)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالىٰ : { للفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ } اختلفوا في موضع هذه اللام : قيل هو مردودة على موضع اللام من قوله : « فلأنفسكم » كأنه قال : وما تنفقوا من خير فللفقراء ، وإنما تنفقون لأنفسكم ، وقيل : معناها الصدقات التي سبق ذكرها ، وقيل : خبره محذوف تقديره : للفقراء الذين صفتهم كذا حق واجب ، وهم فقراء المهاجرين ، كانوا نحواً من أربعمائة رجل ، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ، وكانوا في المسجد يتعلمون القرآن ويرضخون النوى بالنهار ، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب الصُّفَّة ، فحث الله تعالىٰ عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى . { ٱلَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فيه أقاويل ، قال قتادة - وهو أؤلاها - حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلأَرْضِ } لا يتفرغون للتجارة وطلب المعاش وهم أهل الصفة التي ذكرناهم ، وقيل : حبسوا أنفسهم على طاعة الله ، وقيل : معناه حَبَسَهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله ، وقال سعيد بن جبير : قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله فصاروا زمنى ، أحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في سبيل الله للجهاد ، وقال ابن زيد : معناه : من كثرة ما جاهدوا صارت الأرض كلها حرباً عليهم فلا يستطيعون ضرباً في الأرض من كثرة أعدائهم ، { يَحْسَبُهُمُ } قرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة يحسبهم وبابه بفتح السين وقرأ الآخرون بالكسر { ٱلْجَاهِلُ } بحالهم { أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي من تعففهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء ، والتعفف التَّفَعُّل من العفة وهي الترك يقال : عف عن الشيء إذا كف عنه وتعفف إذا تكلف في الإِمساك . { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } السيماء والسيمياء والسمة : العلامة التي يعرف بها الشيء ، واختلفوا في معناها هٰهنا ، فقال مجاهد : هي التخشع والتواضع ، وقال السدي : أثر الجهد من الحاجة والفقر ، وقال الضحاك : صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم ، { لاَ يَسْـأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } قال عطاء : إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاء ، وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداء ، وقيل : معناه لا يسألون الناس إلحافاً أصلاً لأنه قال : من التعفف ، والتعفف ترك السؤال ، ولأنه قال : تعرفهم بسيماهم ، ولو كانت المسألة من شأنهم لما كانت إلى معرفتهم بالعلامة من حاجة ، فمعنى الآية ، ليس لهم سؤال فيقع فيه إلحاف ، والإِلحاف : الإِلحاح واللجاج . أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن الإِسماعيلي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أشياءهم أعطوه أو منعوه " . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس ، ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان » قالوا : فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : « الذي لا يجد غنى فيغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس " . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً " . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمٰن البزاز ، أخبرنا محمد بن زكريا بن عدافر ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن هارون بن رياب عن كنانة العدوي " عن قبيصة بن مخارق قال : إني تحملت بحمالة في قومي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني تحملت بحمالة في قومي وأتيتك لتعينني فيها قال : « بل نتحملها عنك يا قبيصة ونؤديها إليهم من الصدقة » ثم قال « يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في إحدى ثلاث : في رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قِواماً من عيشه ثم يمسك ، وفي رجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاثة نفر من ذوي الحجا من قومه وأن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب القِوام من العيش ثم يمسك ، وفي رجل تحمل بحمالة فيسأل حتى إذا بلغ أمسك ، وما كان غير ذلك فإنه سحت يأكله صاحبه سحتاً » " . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، أخبرنا قتيبة ، أخبرنا شريك عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمٰن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح » قيل يا رسول الله وما يغنيه ؟ قال : « خمسون درهماً أو قيمتها من ذهب " . قوله تعالىٰ : { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } من مال { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } وعليه مُجازٍ { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } روي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية . وعن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهم قال لما نزلت { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } بعث عبد الرحمٰن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصُفَّة ، وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جوف الليل بوسق من تمر فأنزل الله تعالىٰ فيهما { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُم باللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } الآية عنى بالنهار علانية : صدقة عبد الرحمٰن بن عوف ، وبالليل سراً : صدقة علي رضي الله عنه ، وقال أبو أمامة وأبو الدرداء ومكحول والأوزاعي : نزلت في الذين يرتبطون الخيل للجهاد فإنها تُعْلَف ليلاً ونهاراً سراً وعلانية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا علي بن حفص ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا طلحة بن أبي سعيد قال : سمعت سعيداً المقبري يحدث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة " . وقوله تعالىٰ : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } قال الأخفش : جعل الخبر بالفاء ، لأن « الذين » بمعنى « من » وجواب من بالفاء بالجزاء ، ومعنى الآية : من أنفق كذا فله أجره عند ربه { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .