Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 18-19)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ } ، ألم تعلم ، وقيل : { أَلَمْ تَرَ } تقرأ بقلبك { أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ } ، قال مجاهد : سجودها تحول ظلالها . وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجداً حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه . وقيل : سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع لله مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِين } [ فصلت : 11 ] ، وقال في وصف الحجارة { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] ، وقال تعالى : { وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] ، وهذا مذهبٌ حسنٌ موافق لقول أهل السنة . قوله : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، أي : من هذه الأشياء كلها تسبح الله عزّ وجلّ " وكثير من الناس " ، يعني المسلمين . { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } ، وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله عزّ وجلّ والواو في قوله : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } ، واو الاستئناف . { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ } أي : يهنه الله { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } أي : من يذله اللهُ فلا يكرمه أحدٌ ، { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } ، أي : يكرم ويهين فالسعادة والشقاوة بإرادته ومشيئته . قوله عز وجل : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ } أي : جادلوا في دينه وأمره ، والخصم اسم شبيه بالمصدر ، فلذلك قال : { ٱخْتَصَمُواْ } بلفظ الجمع كقوله : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلمِحْرَابَ } [ ص : 21 ] ، واختلفوا في هذين الخصمين . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبر محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا أبو هاشم ، عن أبي مِجْلَز ، عن قيس بن عُباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن هذه الآية : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ } نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي ، وعبيدة بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة . وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا حجاج بن منهال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعتُ أبي قال أخبرنا أبو مجلز ، عن قيس بن عباد ، عن علي بن أبي طالب قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة ، قال قيس : وفيهم نزلت : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ } قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة ، وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة . قال محمد بن إسحاق خرج يعني يوم بدر عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة : عوذ ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء ، وعبد الله بن رواحة فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار ، فقالوا حين انتسبوا : أكفاء كرام ، ثم نادى مناديهم : يا محمد أَخْرِجْ إلينا أكفاءنا من قومنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا عبيدة ابن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن أبي طالب ، فلما دَنَوْا قالوا مَنْ أنتم ؟ فذكروا وقالوا : نعم أكفاء كرام فبارز عبيدةَ وكان أسن القوم عتبةُ ، وبارز حمزةُ شيبةَ ، وبارز عليٌ الوليدَ بنَ عتبة ، فأما حمزةُ فلم يُمهل أن قتل شيبةَ ، وعليٌّ الوليدَ ، واختلف عبيدةُ وعتبةُ بينهما ضربتان كلاهما أثبتَ صاحبَهُ ، فكرَّ حمزةُ وعليٌ بأسيافهما على عتبةَ فذفّفا عليه واحتملا عبيدةَ إلى أصحابه ، وقد قُطعت رجلُه ومخُّها يسيل ، فلما أتَوْا بعبيدةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألستُ شهيداً يا رسول الله ؟ قال : " بلى " ، فقال عبيدةُ : لو كان أبو طالب حياً لعلمَ أنّا أحقُ بما قال منه حيث يقول : @ ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل @@ وقال ابن عباس وقتادة : نزلت الآية في المسلمين وأهلِ الكتاب فقال أهلُ الكتاب : نحن أَولى بالله وأقدمُ منكم كتاباً ، ونبيُّنا قبلَ نبيِّكم ، وقال المؤمنون : نحن أحقُّ بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون نبيِّنا وكتابَنا وكفرتم به حسداً ، فهذه خصومتهم في ربهم . وقال مجاهد : وعطاء بن أبي رباح والكلبي : هم المؤمنون والكافرون كلُّهم من أي ملةٍ كانوا . وقال بعضهم : جعل الأديان ستة في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } [ المائدة : 69 ] الآية ، فجعل خمسة للنار وواحداً للجنة ، فقوله تعالى : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ } ينصرف إليهم فالمؤمنون خَصْمٌ وسائرُ الخمسة خصمٌ . وقال عكرمة : هما الجنة والنار اختصمتا كما أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد حسين القطان ، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : حدثنا أبو هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحاجَّتِ الجنةُ والنارُ فقالت النار : أُوثرتُ بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالتِ الجنةُ : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاءُ الناس وسقَطُهم وغرَّتهُم ؟ قال الله عزّ وجلّ للجنة : إنما أنتِ رحتمي أرحمُ بك مَنْ أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنتِ عذابي أعذّبُ بك مَنْ أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما مِلْؤها ، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضعَ الله فيها رجله فتقول قَطْ قَطْ ، فهنالك تمتلىء ويزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله عزّ وجلّ ينشىء لها خَلْقاً " ثم بيّن الله عزّ وجلّ ما للخصمين فقال : { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } ، قال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس مذاب ، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حراً منه وسُمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب . وقال بعضهم : يلبس أهل النار مُقَطَّعات من النار ، { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } ، الحميم : هو الماء الحار الذي انتهت حرارته .