Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 78-78)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَـٰدِهِ } ، قيل : جاهدوا في سبيل الله أعداءَ الله " حقَّ جهاده " هو استفراغ الطاقة فيه ، قاله ابن عباس : وعنه أيضاً أنه قال : لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد ، كما قال تعالى : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } [ المائدة : 54 ] . قال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حقَّ عمله واعبدوه حق عبادته . وقال مقاتل بن سليمان : نسخها قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] ، وقال أكثر المفسرين : " حق الجهاد " : أن يكون نيتُه خالصةً صادقةً لله عزّ وجلّ . وقال السدي : هو أن يطاع فلا يعصى . وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى ، وهو الجهاد الأكبر ، وهو حق الجهاد . وقد رُوي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال : « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » " ، وأراد بالجهاد الأصغر الجهادَ مع الكفار ، والجهاد الأكبر الجهادَ مع النفس . { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } أي : اختاركم لدينه ، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، ضيق ، معناه : أن المؤمن لا يبتلىٰ بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجاً ، بعضها بالتوبة ، وبعضها برد المظالم والقصاص ، وبعضها بأنواع الكفارات ، فليس في دين الإِسلام ذنب لا يجد العبد سبيلاً إلى الخلاص من العقاب فيه . وقيل : من ضيقٍ في أوقات فروضكم مثل هلال شهر مضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم ، وسَّع ذلك عليكم حتى تتيقنوا . وقال مقاتل : يعني الرُّخَص عند الضرورات ، كقصر الصلاة في السفر ، والتيمم ، وأكل الميتة عند الضرورة ، والإِفطار بالسفر والمرض ، والصلاة قاعداً عند العجز . وهو قول الكلبي . وروي عن ابن عباس أنه قال : الحَرَجُ ما كان على بني إسرائيل من الآصار التي كانت عليهم ، وضعها الله عن هذه الأمة . { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ } ، أي كلمة أبيكم ، نصب بنزع حرف الصفة . وقيل : نصب على الإِغراء ، أي اتَّبِعوا مِلّة أبيكم إبراهيم ، وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : ما وجه قوله : { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ } وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم ؟ . قيل : خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم . وقيل : خاطب به جميع المسلمين ، وإبراهيم أبٌ لهم ، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب ، وهو كقوله تعالى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّما أنا لكم مثل الوالد لولده " { هُوَ سَمَّـٰكُمُ } ، يعني أن الله تعالى سماكم { ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } ، يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة . { وَفِى هَـٰذَا } أي : في هذا الكتاب ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : " هو " يرجع إلى إبراهيم أي إن إبراهيم هو سماكم المسلمين في أيامه ، من قبل هذا الوقت ، وفي هذا الوقت ، وهو قوله : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] ، { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } ، يوم القيامة أن قد بلَّغَكم ، { وَتَكُونُواْ } ، أنتم ، { شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } ، أن رسلَهم قد بلَّغتْهم ، { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي : ثقوا بالله وتوكلوا عليه . قال الحسن : تمسَّكُوا بدينِ الله . وروي عن ابن عباس قال : سلوا ربكم أن يعصمَكم من كل ما يكره . وقيل : معناه ادعوه ليثبِّتكم على دينه . وقيل : الاعتصام بالله هو التمسكُ بالكتابِ والسنةِ ، { هُوَ مَوْلَـٰكُمْ } ، وليكم وناصركم وحافظكم ، { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } ، الناصر لكم .