Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 60-61)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } يعني اللاتي قعدن عن الولد والحيض من الكِبَر ، لا يلدن ولا يحضن ، واحدتها قاعد بلا هاء . وقيل : قعدن عن الأزواج ، وهذا معنى قوله : { ٱلَّلَـٰتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } ، أي لا يردن الرجال لكبرهن ، قال ابن قتيبة : سميت المرأة قاعداً إذا كبرت ، لأنها تكثر القعود . وقال ربيعة الرأي : هنّ العُجَّزُ اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية ، { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } ، عند الرجال ، يعني : يضعن بعض ثيابهن ، وهي الجلباب والرداء الذي فوق الثياب ، والقناع ، الذي فوق الخمار ، فأما الخمار فلا يجوز وضعه ، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وأُبيّ بن كعب : « أن يضعن من ثيابهن » ، { غَيْرَ مُتَبَرِّجَـٰتِ بِزِينَةٍ } ، أي : من غير أن يردن بوضع الجلباب ، والرداء إظهار زينتهن ، والتبرُّج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تتنزه عنه . { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } ، فلا يلقين الجلباب والرداء ، { خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ } . قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } الآية ، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله عزّ وجلّ قوله : { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 29 ] ، تحرّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزَّمنى والعُمي والعرج ، وقالوا الطعام أفضل الأموال ، وقد نهَانَا اللَّهُ عن أكل المال بالباطل . والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام ، فأنزل الله هذه الآية . وعلى هذا التأويل يكون « على » بمعنى " في " أي : ليس في الأعمى ، يعني ليس : عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض . وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء ، لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ، ويقول الأعمى : ربما أكل أكثر ، ويقول الأعرج ربما أخذ مكان الاثنين ، فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت الآية ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمَّى الله في هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية ، كان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون أذهب بنا إلى بيت غيره ؟ فأنزل الله هذه الآية . وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غُيَّب ، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم . قال الحسن : نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد . قال تم الكلام عند قوله : { وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } ، وقوله تعالى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } كلام منقطع عمّا قبله . وقيل : لما نزل قوله : { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 29 ] , قالوا : لا يحل لأحدٍ منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } ، أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم . قيل : أراد من أموال عيالكم وأزواجكم ، وبيت المرأة كبيت الزوج . وقال ابن قتيبة : أراد من بيوت أولادكم ، نَسَبَ بيوتَ الأولادِ إلى الآباء ، كما جاء في الحديث : " أنت ومالك لأبيك " ، { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَـٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ } , قال ابن عباس رضي الله عنهما : عني بذلك وكيل الرجل وقيّمه في ضيعته وماشيته ، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر . وقال الضحاك : يعني من بيوت عبيدكم ومماليككم ، وذلك أن السيد يملك منزل عبده والمفاتيح الخزائن ، لقوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } [ الأنعام : 59 ] ويجوز أن يكون الذي يفتح به . وقال عكرمة : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن ، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير . وقال السدي : الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه وقال قوم : " ما ملكتم مفاتحه " ما خزنتموه عندكم . قال مجاهد وقتادة : من بيوت أنفسكم مما أحرزتم وملكتم . { أَوْ صَدِيقِكُمْ } ، الصديق الذي صدقك في المودة . قال ابن عباس : نزلت في الحارث بن عمرو رضي الله عنه ، خرج غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلَّف مالك بن زيد على أهله . فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال : تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك فأنزل الله هذه الآية . وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية . والمعنى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ } ، من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا ، من غير أن تتزودوا وتحملوا . قوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } ، نزلت في بني ليث بن عمرو ، وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفاً يأكل معه ، فربما قعد الرجل والطعامُ بين يديه من الصباح إلى الرَّواح ، وربما كانت معه الإِبل الحُفَّلُ فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فإذا أمسى ولم يجد أحداً أكل ، هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج . وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه ، فيقول : والله إني لأجنح أي : أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير ، فنزلت هذه الآية . وقال عكرمة وأبو صالح : نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم ، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا ، جميعاً أو أشتاتاً متفرقين . { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ، أي : يسلم بعضكم على بعض ، هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومَنْ في بيته ، وهو قول جابر وطاووس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار . قال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلِّمْ على أهلك فهو أحق من سلَّمْتَ عليه ، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . حُدِّثنا أن الملائكة ترد عليه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن لم يكن في البيت أحد فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله . وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } قال : إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، نصب على المصدر أي تحيون أنفسكم تحية ، { مُبَـٰرَكَةً طَيِّبَةً } ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حسنة جميلة . وقيل : ذكر البركة والطيبة ههنا لما فيه من الثواب والأجر . { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .