Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 6-15)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ } ، أي تُؤتى القرآن وتلقن ، { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } ، أي وحياً من عند الله الحكيم العليم . قوله عزّ وجلّ : { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } ، أي واذكر يا محمد إذ قال موسى لأهله في مسيره من مدين إلى مصر : { إِنِّىۤ آنَسْتُ نَاراً } ، أي أبصرت ناراً ، { سَـئَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } ، أي : امكثوا مكانكم ، سآتيكم بخبر عن الطريق ، وكان قد ترك الطريق ، { أَوْ ءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ } ، قرأ أهل الكوفة : " بشهاب " بالتنوين ، جعلوا القبس نعتاً للشهاب ، وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإِضافة ، وهو إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى ، وهو العود الذي في أحد طرفيه فيه نار ، وليس في الطرف الآخر نار . وقال بعضهم : الشهاب هو شيء ذو نور ، مثل العمود ، والعرب تسمي كل أبيضٍ ذي نور شهاباً ، والقبس : القطعة من النار ، { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } ، تستدفئون من البرد وكان ذلك في شدة الشتاء . { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِىَ أَن بُورِكَ مَن فِى ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } ، أي بورك على من في النار أو في مَنْ في النار ، والعرب تقول : باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، بمعنى واحد . وقال قوم : البركة راجعة إلى موسى والملائكة ، معناه : بورك في من طلب النار ، وهو موسى عليه السلام ، { ومن حولها } وهم الملائكة الذين حول النار ، ومعناه : بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحية من عند الله عزّ وجلّ لموسى بالبركة ، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور ، وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً , " من في النار " هم الملائكة ، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، و " من حولها " هو موسى لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها . وقيل : " مَنْ في النار ومَنْ حولها " جميعاً الملائكة . وقيل : " من في النار " موسى و " من حولها " الملائكة ، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريباً منها ، كما يقال بلغ فلان المنزل ، إذا قرب منه ، وإن لم يبلغه بعد . وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار . وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : معناه بُوركتِ النار . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت أُبيّاً يقرأ : أن بوركت النار ومن حولها ، و " من " قد تأتي بمعنى ما ، كقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] ، و « ما » قد تكون صلة في الكلام ، كقوله { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } [ ص : 11 ] ، ومعناه : بورك في النار وفيمن حولها ، وهم الملائكة وموسى عليه السلام ، وسمَّى النار مباركة كما سمي البقعة مباركة فقال : " في البقعة المباركة " . وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله : { بُورِكَ مَن فِى ٱلنَّارِ } ، يعني قُدس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه ، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها . كما روي : أنه مكتوب في التوراة : " جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعين ، واستعلى من جبال فاران " ، فمجيئه من سيناء : بعثة موسى منها ، ومن ساعين بعثة المسيح منها ، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها ، وفاران مكة . قيل : كان ذلك نوره عزّ وجلّ . قال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها ، والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث : " حجابه النار لو كشفها لأحرقت سُبحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ، ثم نزّه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب ، فقال جلّ ذكره . { وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، ثم تعرف إلى موسى بصفاته ، فقال : { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، والهاء في قوله { إِنَّهُ } عماد ، وليس بكناية ، وقيل : هي كناية عن الأمر والشأن ، أي : الأمر والشأن أي : المعبود أنا ، ثم أرى موسى آية على قدرته ، فقال : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ } ، تتحرك ، { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها ، { وَلَّىٰ مُدْبِراً } ، وهرب من الخوف ، { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ، ولم يرجع ، يقال : عقَّب فلان إذا رجع ، وكل راجع معقَّب . وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله عزّ وجلّ : { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، يريد إذا آمنتهم لا يخافون ، أما الخوف الذي هو شرط الإِيمان فلا يفارقهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أخشاكم لله " . وقوله : { إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، واختُلف في هذا الاستثناء ، قيل : هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ، ثم تاب فقال : ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي ، فغفر له . قال ابن جريج : قال الله تعالى لموسى : إنما أخفتُك لقتلِك النفس . وقال معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحاً وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله : { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } ، ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة . وفي الآية متروك استُغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه ، تقديره : فمن ظَلَمَ ثم بدّل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم . وقال بعض العلماء : ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم ، بل هو استثناء من المتروك في الكلام ، معناه لا يخاف لديّ المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين ، إلاّ من ظلم ثم تاب ، وهذا من الاستثناء المنقطع ، معناه . لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف ، فإن تاب وبدّل حسناً بعد سوء فإن الله غفور رحيم ، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه . وقال بعض النحويين : " إلاّ " هاهنا بمعنى : " ولا " ، يعني : لا يخاف لديّ المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء يقول : لا يخاف لديّ المرسلون ولا المذنبون التائبون كقوله تعالى : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ البقرة : 150 ] يعني ولا الذين ظلموا . ثم أراه الله آية أخرى فقال : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } ، والجيب حيث جيب من القميص ، أي قطع ، قال أهل التفسير : كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، فذلك قوله : { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، من غير بَرَصٍ ، { فِى تِسْعِ ءَايَـٰتٍ } ، يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهنّ ، { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } . { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَـٰتُنَا مُبْصِرَةً } ، بيّنة واضحة يبصر بها ، { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، ظاهر . { وَجَحَدُواْ بِهَا } ، أي : أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله ، { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } ، أي : علموا أنها من عند الله ، قوله : { ظُلْماً وَعُلُوّاً } ، أي : شركاً وتكبراً عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى ، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } . قوله عزّ وجلّ : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ عِلْماً } ، أي : علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال ، { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى فَضَّلَنَا } ، بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإِنس { عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } .