Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 46-55)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ } , بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، { إِذْ نَادَيْنَا } , قيل : إذْ نادَيْنَا موسى : خذِ الكتاب بقوّة . وقال وهب : قال موسى : يا ربِّ أرني محمداً ، قال : إن لن تصل إلى ذلك ، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك أصواتهم ، قال : بلى يا رب ، قال الله تعالى : يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم . وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير : نادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما - ورفعه بعضهم - ، قال الله : يا أمة محمد ، فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات : لبيك اللهم لبيك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . قال الله تعالى : يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي ، قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني ، وقد غفرت لكم من قبل أن تعصوني ، من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنة ، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر . قوله تعالى : { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } ، أي : ولكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك ، { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَـٰهُم مِّن نَّذِيرٍ مِن قَبْلِك } ، يعني : أهل مكة ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } . { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } , عقوبة ونقمة ، { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } , من الكفر والمعصية , { فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ } ، هلاَّ ، { أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتِّبِعَ ءايَـٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، وجواب " لولا " محذوف ، أي : لعاجلناهم بالعقوبة ، يعني : لولا أنهم يحتجون بترك الإِرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم . وقيل : معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل . { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، { قَالُواْ } ، يعني : كفار مكة ، { لَوْلاۤ } ، هلا ، { أُوتِىَ } ، محمد ، { مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } ، من الآيات كاليد البيضاء والعصا ، وقيل : مثل ما أوتي موسى كتاباً جملة واحدة . قال الله تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } ، أي : فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد ، { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَـٰهَرَا } ، قرأ أهل الكوفة : « سحران » ، أي التوراة والقرآن " تظاهرا " يعني : كل سحر يقوي الآخر ، نسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع . قال الكلبي : كانت مقالتهم تلك حين بعثوا إلى رؤوس اليهود بالمدينة ، فسألوهم عن محمد فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة ، فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا : سِحْرَانِ تظاهرا . وقرأ الآخرون : « ساحران » يعنون محمداً وموسى عليهما السلام ، لأن معنى التظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب ، { وَقَالُواْ إِنَّا بِكلٍّ كَـٰفِرُونَ } . { قُلْ } ، لهم يا محمد ، { فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } ، يعني : من التوراة والقرآن ، { أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } . { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } , أي : لم يأتوا بما طلبت ، { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } . { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } , قال ابن عباس رضي الله عنهما : بيَّنا . قال الفرَّاء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً . قال قتادة : وصل لهم القول في هذا القرآن ، كيف صنع بمن مضى . قال مقاتل : بيّنا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم ، وقال ابن زيد : وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } . { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ } ، من قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقيل : من قبل القرآن ، { هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } ، نزلت في مؤمني أهل الكتاب ؛ عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال مقاتل : بل هم أهل الإِنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد بن جبير : هم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبي الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا وجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم ، فانصرفوا فأتوا بأموالهم ، فواسوا بها المسلمين ، فنزل فيهم : { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } إلى قوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب ، أربعون من نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من الشام . ثم وصفهم الله فقال : { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } ، يعني القرآن ، { قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ } ، وذلك أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل ، { إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } ، أي : من قبل القرآن مسلمين مخلصين لله بالتوحيد مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي حق . { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } , لإِيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ، { بِمَا صَبَرُواْ } ، على دينهم . قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأوذُوا . أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حفص الجويني ، أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي ، أخبرنا عثمان ، أخبرنا شعبة ، عن صالح ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يُؤْتون أجرهم مرتين : رجل كانت له جارية فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعبدٌ أحسن عبادةَ الله ونصحَ سيّده " . قوله عزّ وجلّ : { وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشركَ ، قال مقاتل : يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو ، { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } ، في الطاعة . { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ } , القبيح من القول ، { أَعْرَضُواْ عَنْهُ } ، وذلك أن المشركين كانوا يسبُّون مؤمني أهل الكتاب ويقولون تباً لكم تركتم دينكم ، فيعرضون عنهم ولا يردُّون عليهم ، { وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } ، لنا ديننا ولكم دينكم ، { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } ، ليس المراد منه سلام التحية ولكنه سلام المتاركة ، معناه : سلمتُم منّا لا نُعاوضكم بالشتم والقبح من القول ، { لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ } ، أي : دين الجاهلين ، يعني لا نحب دينكم الذي أنتم عليه . وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال .