Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-121)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } أي : تُصبكم أيها المؤمنون بظهوركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وخصب في معايشكم { تَسُؤْهُمْ } ، تُحزنهم ، { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ } ، مساءةٌ بإخفاق سرية لكم أو إصابة عدوٍ منكم ، أو اختلاف يكون بينكم أو جدبٍ أو نكبة تصبكم { يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ } ، على أذاهم { وَتَتَّقُواْ } ، وتخافوا ربكم { لاَ يَضُرُّكُمْ } ، أي : لا ينقصكم ، { كَيْدُهُمْ شَيْئاً } ، قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة { لاَ يَضُرُّكُمْ } بكسر الضاد خفيفة ، يقال : ضار يضير ضيراً ، وهو جزم على جواب الجزاء ، وقرأ الباقون بضم الضاد وتشديد الراء من ضرّ يضرّ ضراً ، مثل ردّ يردّ رداً ، وفي رفعه وجهان . أحدهما : أنه أراد الجزم ، وأصله يضرركم فأُدغمت الراء في الراء ، ونُقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الثانية اتباعاً ، والثاني : أن يكون لا بمعنى ليس ويضمر فيه الفاء ، تقديره : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئاً ، { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } : عالم . قوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } ، قال الحسن : هو يوم بدر ، وقال مقاتل : يوم الأحزاب ، وقال سائر المفسرين : هو يوم أُحد ، لأن ما بعده إلى قريب من آخر السورة في حرب أحد . قال مجاهد والكلبي والواقدي : غدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من منزل عائشة رضي الله عنها فمشى على رجليه إلى أُحد فجعل يصفُّ أصحابه للقتال كما يقوم القدح . قال محمد بن إسحاق والسدي عن رجالهما : إن المشركين نزلوا بأُحد يوم الأربعاء فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه ودعا عبد الله بن أُبي ابن سلول ولم يدعُهُ قط قبلها فاستشاره ، فقال عبد الله بن أُبي وأكثر الأنصار : يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منّا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا ، فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مجلس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين . فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الرأي . وقال بعض أصحابه : يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب ، لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم وضَعُفْنَا ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : " إني رأيت في منامي بقراً تذبح ، فأوّلتُها خيراً ، ورأيتُ في ذُباب سيفي ثَلْماً فأولتها هزيمةً ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة " ، وكان يعجبه أن يدخلوا عليهم بالمدينة فيقاتلوا في الأزقة ، فقال رجال من المسلمين ممن فاتهم يوم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أُحد : اخرج بنا إلى أعدائنا . فلم يزالوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم ، من حبهم للقاء القوم ، حتى دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلبس لأْمَتَهُ ، فلما رأوه قد لبس السلاح ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا ، نشير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيتَ ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمتَه فيضعها حتى يقاتل " . وكان قد أقام المشركون بأُحد يوم الأربعاء والخميس ، فراح رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الجمعة بعدما صلى بأصحابه الجمعة ، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار ، فصلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، ثم خرج إليهم ، فأصبح بالشّعب من أُحد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة ، فكان من حرب أُحد ما كان ، فذلك قوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } أي : واذكر إذا غدوت من أهلك { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : تنزل المؤمنين { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } أي : مواطن ، ومواضع للقتال ، يقال : بوأتُ القوم إذا وطنتهم ، وتبوؤا هم إذا تواطنوا ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } [ يونس : 93 ] ، وقال : { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } [ يونس : 87 ] وقيل : تتخذ معسكراً ، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .