Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 139-140)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَتَحْزَنُوا } ، هذا حثُّ لأصحاب النبي صلـّى الله عليه وسلم على الجهاد ، زيادةً على ما أصابهم من القتل والجراح يوم أُحد ، يقول الله تعالى : ولا تهِنُوا أي : لا تضْعُفوا ولا تجبُنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح ، وكان قد قُتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم : حمزةُ بن عبد المطلب ومصعبُ بن عُمير ، وقُتل من الأنصار سبعون رجلاً . { وَلاَ تَحْزَنُوا } فإنكم { أَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } أي تكون لكم العاقبةُ بالنصرة والظفر ، { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يعني : إذْ كنتم مؤمنين : أي : لأنكم مؤمنون . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما انهزم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الشّعب فأقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم " اللّهمّ لا يعلون علينا ، اللّهمّ لا قوّةَ لنا إلاّ بك " وثاب نفرٌ من المسلمين رماةٌ فصعدُوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله تعالى : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } . وقال الكلبي : نزلت هذه الآية بعد يوم أُحد حين أمر النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه بطلب القوم ما أصابهم من الجراح ، فاشتدّ ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية ، دليله قوله تعالى : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } [ النساء : 104 ] . { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر { قرح } بضم القاف حيث جاء ، وقرأ الآخرون بالفتح وهما لغتان معناهما واحد كالجهدُ والجَهد ، وقال الفراء القرح بالفتح : الجراحة ، وبالضم : ألمُ الجراحة ، هذا خطاب مع المسلمين حيث انصرفوا من أُحد مع الكآبة والحزن ، يقول الله تعالى : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } يوم أُحد ، { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } ، يوم بدر ، { وَتِلْكَ ٱلأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } ، فيومٌ لهم ويومٌ عليهم ، أُديل المسلمون على المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين وأسَرُوا سبعين ، وأُديل المشركون من المسلمين يوم أُحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمساً وسبعين . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد أنا زهير أخبرنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب قال : جعل النبي صلّى الله عليه وسلم على الرّجّالة يوم أُحد وكانوا خمسين رجلاً عبدَ الله بن جُبير ، فقال : " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانَكُم هذا حتى أُرسلَ إليكم وإنْ رأيتُمونَا هزمنا القومَ وأوطأناهم فلا تبرحُوا حتى أُرسل إليكم " ، فهزمُوهم ، قال : فإنا والله رأيتُ النساءَ يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جُبير : الغنيمة ، أيْ قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله ابن جُبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ؟ قالوا : والله لنأتينّ الناسَ فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صُرفتْ وجُوهُهم فأقبلوا منهزمين . فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخْراهُم ، فلم يبقَ مع النبي صلّى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منّا سبعين . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين ، سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً ، فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاث مرات ، فنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجيبوه ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ، ثم قال : أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه ، فقال : أمَا هؤلاء فقد قُتلوا ، فما مَلَك عمرُ نفسَه ، فقال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوءُك ، قال : يوم بيوم بدر ، والحرب سِجَال ، إنكم ستجدون في القوم مُثلةً لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم أخذ يرتجز : اعل هُبَلُ اعل هُبَلُ ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : " ألاَ تُجيبوه " ؟ قالوا : يارسول الله ما نقول ؟ قال : " قولوا الله أعلى وأجلُّ " ، قال : إن لنا العُزَى ولا عُزَى لكم ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : " ألاَ تُجيبوه " ؟ قالوا : يارسول الله ما نقول ؟ قال : " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " . ورُوي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي حديثه قال أبو سفيان : يومٌ بيوم وإن الأيام دُول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله عنه : لا سَواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار » . قال الزجاج : الدولة تكون للمسلمين على الكفار ، لقوله تعالى : ( وإن جندَنا لَهُمُ الغالِبُون ) ، وكانت يوم أُحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } يعني : إنما كانت هذه المُداولة ليعلم الله ( أي : ليرى الله ) الذين آمنوا فيمِيز المؤمن من المنافق ، { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } ، يُكرِّم أقواماً بالشهادة ، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } .