Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 151-152)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كفرُوا ٱلرُّعْبَ } وذلك أنّ أبا سفيان والمشركين لمّا ارتحلوا يوم أُحد متوجهين نحو مكة انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق ، ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاسْتَأصِلُوهم ، فلمّا عزموا على ذلك قذف الله في قلوبهم الرُّعب ، حتى رجعوا عمّا همُّوا به . سنُلقي أي : سنقذف في قلوب الذين كفروا الرعب ، الخوف ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي ويعقوب { ٱلرُّعْبَ } بضم العين ، وقرأ الآخرون بسكونها ، { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } حُجةً وبُرهاناً ، { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، مقام الكافرين . قوله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } قال محمد بن كعب القرظي : لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من أُحد ، وقد أصابهم ما أصابهم ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا ؟ وقد وعدنا الله النصر ، فأنزل الله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } بالنصر والظفر ، وذلك أن النصر والظفر كان للمسلمين في الابتداء ، { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } ، وذلك " أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم جعل أُحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين ، وهو جبل ، عن يساره وأقام عليه الرماة وأمّر عليهم عبد الله بن جُبير ، وقال لهم : احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غَنِمْنَا فلا تُشْرِكُونا وإن رأيتمونا نُقتل فلا تَنْصُرونا ، وأقبل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل ، والمسلمون يضربونهم بالسيوف ، حتى ولّوا هاربين " . فذلك قوله تعالى : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً بقضاء الله . قال أبو عبيدة : الحسُّ : هو الاستئصال بالقتل . { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } أي : إن جَبنتُم ، وقيل : معناه فلما فشلتم ، { وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ } ، والواو زائدة في { وَتَنَـٰزَعْتُمْ } يعني : حتى إذا فشلتم تنازعتم ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم فَشِلْتُم . ومعنى التنازع الاختلاف . وكان اختلافهم أنّ الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم : انهزم القوم فما مقامنا ؟ وأقبلوا على الغنيمة ، وقال بعضهم : لا تجاوزوا أمرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وثبت عبد الله بن جُبير في نفر يسير دون العشرة . فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه ، وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح فصارت دَبُوراً بعد ما كانتْ صَبَاً ، وانتقضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضاً ما يشعرون من الدهش ، ونادى إبليس أن محمداً قد قُتل ، وكان ذلك سبب الهزيمة المسلمين . قوله تعالى : { وَعَصَيْتُمْ } يعني : الرسول صلّى الله عليه وسلم وخالفتُم أمره ، { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ } ، الله { مَّا تُحِبُّونَ } يا معشر المسلمين من الظفر والغنيمة ، { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } ، يعني : الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب ، { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } ، يعني : الذين ثبتُوا مع عبد الله بن جُبير حتى قُتلوا ، قال عبد الله بن مسعود : ما شعرتُ أن أحداً من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم يُريد الدنيا حتى كان يوم أُحد ، ونزلت هذه الآية { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } ، أي : ردّكم عنهم بالهزيمة ، { لِيَبْتَلِيَكُمْ } ، ليمتحنكم ، وقيل : ليُنزل البلاء عليكم { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } ، فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } .