Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-3)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } , سبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون : - أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودّون أن تغلب فارس الروم ، لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس ، لكونهم أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليها رجلاً يقال له شهريراز ، وبعث قيصر جيشاً إلى فارس واستعمل عليهم رجلاً يدعى يحفّس ، فالتقيا بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارسٌ الروم ، فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشقَّ عليهم ، وفرح به كفار مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميّون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنطهرنّ عليكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار ، فقال : فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فوالله ليظهرنّ على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا ، فقام إليه أُبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت ، فقال : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل بيننا أجلاً أُناحِبُك عليه - والمناحبة : المراهنة - على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمتُ وإن ظهرت فارس غرمتَ ، ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين ، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بيني الثلاث إلى التسع ، فزايِدْه في الخطر ومادَّه في الأجل " ، فخرج أبو بكر ولقي أبيّاً ، فقال : لعلك ندمت ؟ قال : لا ، فتعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، قال قد فعلت . فلما خشي أُبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه ، وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقِمْ لي كفيلاً ، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أُبيّ بن خلف أن يخرج إلى أُحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه ، فقال : لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلاً ، فأعطاه كفيلاً ، ثم خرج إلى أُحد ثم رجع أُبيّ بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم . وقيل : كان يوم بدر . قال الشعبي : لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة ، وفيها صاحبُ قمارهم أُبيّ بن خلف ، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر ، وذلك قبل تحريم القمار ، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر أبيّاً وأخذ مال الخطر من ورثته ، فجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " تصدَّقْ به " . وكان سبب غلبة الروم فارساً - على ما قال عكرمة وغيره - : أن شهريراز بعدما غلبت الروم لم يزل يطؤهم ويخرّب مدائنهم حتى بلغ الخليج ، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى ، فبلغت كلمته كسرى ، فكتب إلى شهريراز : إذ أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان ، فكتب إليه : أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان إن له نكاية وصوتاً في العدو ، فلا تفعل ، فكتب إليه : إن في رجال فارس خلفاً منه ، فعجِّلْ برأسه ، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه ، وبعث بريداً إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان الملك ، ثم رفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهريراز ، وقال إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطِه فلما قرأ شهريزاز الكتاب قال سمعاً وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس فرخان ورفع إليه الصحيفة ، فقال ائتوني بشهريراز ، فقدّمه ليضرب عنقه ، فقال : لا تعجل عليّ حتى أكتب وصيتي . قال : نعم ، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كل هذا راجعت فيك كسرى ، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد ؟ فرد الملك إلى أخيه ، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البُرُد ولا تبلغها الصحف ، فألقَنَي ، ولا تلقني إلا في خمسين رومياً ، فإني ألقاك في خمسين فارسياً . فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلاً ، ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، ومع كل واحد منهما سكين فدعوا بترجمان بينهما ، فقال شهريراز : إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعنا جميعاً فنحن نقاتله معك . قال : قد أصبتما ، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السرَّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا ، فقتلا الترجمان معاً بسكينهما ، فأُدِيْلت الروم على فارس عند ذلك ، فاتبعوهم يقتلونهم ، ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن معه ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } , أي : أقرب أرض الشام إلى أرض فارس ، قال عكرمة : هي أذرعات وكسكَر ، وقال مجاهد : أرض الجزيرة . وقال مقاتل : الأردن وفلسطين . { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ } ، أي : الروم من بعد غلبة فارس إياهم ، والغلب والغلبة لغتان ، { سَيَغْلِبُونَ } ، فارساً .