Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 72-72)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } ، الآية . أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، وهذا قول ابن عباس . وقال ابن مسعود : الأمانة : أداء الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، وصدق الحديث ، وقضاء الدين ، والعدل في المكيال والميزان ، وأشد من هذا كله الودائع . وقال مجاهد : الأمانة : الفرائض , وحدود الدِّين . وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنه . وقال زيد بن أسلم : هو الصوم ، والغسل من الجنابة ، وما يخفى من الشرائع . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإِنسان فرجه وقال : هذه أمانة استودعتكها ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرِّجْل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له . وقال بعضهم : هي أمانات الناس ، والوفاء بالعهد ، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمناً ولا معاهداً في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السموات والأرض والجبال ، هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا يا رب ، نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً ، وقلن ذلك خوفاً وخشية وتعظيماً لدين الله أن لا يقيموا بها لا معصية ولا مخالفة ، وكان العرض عليهن تخييراً لا إلزاماً ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات كلها خاضعة لله عزّ وجلّ مطيعة ساجدة له كما قال جلّ ذكره في السموات والأرض : { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَائِعينَ } [ فصلت : 11 ] ، وقال للحجارة : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] وقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلاَْرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ } [ الحج : 18 ] الآية . وقال بعض أهل العلم : ركّب الله عزّ وجلّ فيهنّ العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن . وقال بعضهم : المراد من العرض على السموات والأرض هو العرض على أهل السموات والأرض ، عرضها على من فيها من الملائكة . وقيل : على أهلها كلها دون أعيانها ، كقوله تعالى : { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، أي : أهل القرية . والأول أصح ، وهو قول العلماء . { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } ، أي : خففن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب ، { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ } ، يعني : آدم عليه السلام ، فقال الله لآدم : إني عرضت الأمانة على السمواتِ والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فتحملها آدم ، وقال بين أذني وعاتقي ، قال الله تعالى : أمّا إذا تحملت فسأعينك ، أجعل لبصرك حجاباً فإذا خشيت أن تنظر إلى مالا يحل لك فأرخِ عليه حجابه ، وأجعل للسانك لحيين غلقاً فإذا خشيت فأغلق ، واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرمت عليك . قال مجاهد : فما كان بين أن تحمّلها وبين أن خرج من الجنة إلاّ مقدار ما بين الظهر والعصر . وحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مُثِّلَتِ الأمانة كصخرة ملقاة ، ودُعيت السمواتُ والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يُدعى ، وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها لحملتُها ، فقلن له : احملها ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها ، وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له : احملها فحملها إلى حقوه ، ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له : احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها فقال الله : مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة . { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، قال ابن عباس : ظلوماً لنفسه جهولاً بأمر الله وما احتمل من الأمانة . وقال الكلبي : ظلوماً حين عصى ربه ، جهُولاً لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة . وقال مقاتل : ظلوماً لنفسه جهولاً بعاقبة ما تحمّل . وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني ، في قوله وحملها الإِنسان قولان ، فقالوا : إن الله ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن السموات والأرض والجبال على شيء ، فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا من الطاعة والقيام بالفرائض ، والأمانة في حق السموات والأرض والجبال هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له . وقيل : قوله : { فَأبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا } ، أي : أدّينَ الأمانة ، يقال : فلان لم يحتمل الأمانة أي : لم يخن فيها وحملها الإِنسان أي : خان فيها ، يقال : فلان حمل الأمانة أي : أثِمَ فيها بالخيانة . قال الله تعالى : { وَلْيحْملُنَّ أَثْقَالُهم } [ العنكبوت : 13 ] ، إنه كان ظلوماً جهولاً . حكي عن الحسن على هذا التأويل : أنه قال وحملها الإِنسان يعني الكافر والمنافق ، حملاَ الأمانة أي : خانا . وقول السلف ما ذكرنا .