Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-13)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ } أي : وسخرنا لسليمان الريح ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : الريح بالرفع أي : له تسخير الريح ، { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } , أي : سير غُدوِّ تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، وسير رواحها مسيرة شهر ، وكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين . قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع . وقيل : إنه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند . { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } ، أي : أذَبْنَا له عين النحاس ، و " القِطْرُ " : النحاس . قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وكان بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان . { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } ، بأمر ربه ، قال ابن عباس : سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، { وَمَن يَزِغْ } ، أي : يعدل ، { مِنْهُمْ } ، من الجن ، { عَنْ أَمْرِنَا } ، الذي أمرنا به من طاعة سليمان ، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } ، في الآخرة ، وقال بعضهم : في الدنيا وذلك أن الله عزّ وجلّ وكّل بهم ملكاً بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته . { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَـٰرِيبَ } ، أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستخلصها له ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثني عشر ربضاً ، وأنزل كل ربض منها سبطَاً من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطاً ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقاً فرقاً يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقاً يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عزّ وجلّ ، ثم أحضر الصناعيين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحاً وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلىء ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله عزّ وجلّ ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيداً . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأله حكماً يصادف حكمه ، فأعطاه إيّاه ، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إيّاه وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك " . قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصوناً كثيرة عجيبة من الصخر . قوله عزّ وجلّ : { وَتَمَـٰثِيلَ } ، أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صوراً من نحاس وصُفْر وشبة وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله . { وَجِفَانٍ } ، أي : قصاع واحدتها جفنة ، { كَـٱلْجَوَابِ } ، كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد على الجفة الواحدة ألف رجل يأكلون منها { وَقُدُورٍ رَٰسِيَـٰتٍ } ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنهن لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يعطَّلن ، وكان يصعد عليها بالسلالم ، وكانت باليمن . { ٱعْمَلُوۤاْ ءَالَ دَاوُودَ شُكْراً } ، أي : وقلنا اعملوا آل داود شكراً ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمه . { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } ، أي العامل بطاعتي شكراً لنعمتي . قيل : المراد من " آل داود " هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته . وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : كان داود نبي عليه السلام قد جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .