Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 29-34)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } ، يعني : قرأوا القرآن ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ } ، لن تفسد ولن تهلك ، والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب . قال الفراء : قوله " يرجون " جواب لقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } . { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } ، جزاء أعمالهم بالثواب ، { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } قال ابن عباس : يعني سوى الثواب مما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ، { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } ، قال ابن عباس : يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم . { وَٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } ، يعني القرآن ، { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقَاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } , من الكتب { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } . { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } , يعني : الكتاب الذي أنزلناه إليك الذي ذكر في الآية الأولى ، وهو القرآن ، جعلناه ينتهي إلى ، { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } . ويجوز أن يكون « ثم » بمعنى الواو ، أي وأورثنا ، كقوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنواْ } [ البلد : 17 ] ، أي : وكان من الذين آمنوا ، ومعنى " أورثنا " أعطينا ، لأن الميراث عطاء ، قاله مجاهد . وقيل : « أورثنا » أي أخرنا ، ومنه الميراث لأنه أخّر عن الميت ، ومعناه : أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناكموه ، وأَهّلْنَاكم له . { الذين اصطفينا من عبادنا } ، قال ابن عباس : يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قسمهم ورتبهم فقال : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } , روي عن أسامة بن زيد في قوله عزّ وجلّ : " فمنهم ضالم لنفسه " الآية ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كلهم من هذه الأمة " . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ، أخبرنا محمد بن علي بن الحسين بن القاضي ، أخبرنا بكر بن محمد المروزي ، أخبرنا أبو قلابة ، حدثنا عمرو بن الحصين ، عن الفضل بن عميرة ، عن ميمون الكردي ، عن أبي عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } ، الآية ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " ، قال أبو قلابة : فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه . واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن أبي ثابت أن رجلاً دخل المسجد فقال : اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي ، وسُقْ إليّ جليساً صالحاً ، فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقاً لأنا أسعد بك منك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } فقال : " أمّا السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأمّا المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً ، وأمّا الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ، ثم يدخل الجنة " ثم قرأ هذه الآية : { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } . وقال عقبة بن صهبان سألت عائشة عن قول الله عزّ وجلّ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } الآية ، فقالت : يا بني كلهم في الجنة أمّا السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وأمّا المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، وأمّا الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم ، فجعلت نفسها معنا . وقال مجاهد ، والحسن ، وقتادة : فمنهم ظالم لنفسه وهم أصحاب المشئمة ، ومنهم مقتصد وهم أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله هم السابقون المقربون من الناس كلهم . وعن ابن عباس قال : السابق : المؤمن المخلص ، والمقتصد المرائي ، والظالم : الكافر نعمة الله غير الجاحد لها ، لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال : { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } . وقال بعضهم : يذكر ذلك عن الحسن ، قال : السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته ، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته . وقيل : الظالم من كان ظاهره خيراً من باطنه ، والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره . وقيل : الظالم من وحّد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله ، والمقتصد من وحّد الله بلسانه وأطاعه . بجوارحه ، والسابق من وحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله . وقيل : الظالم التالي للقرآن ، والمقتصد القارىء له العالم به ، والسابق القارىء له العالم به العامل بما فيه . وقيل : الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر ، والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة . وقال سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم ، والظالم الجاهل . قال جعفر الصادق : بدأ بالظالمين إخباراً بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ، ثم ثنّى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره ، وكلهم في الجنة . وقال أبو بكر الوراق : رتّبهم هذا الترتيب على مقامات الناس ، لأن أحوال العبد ثلاثة : معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة ، فإن عصى دخل في حيز الظالمين ، فإذا تاب دخل في جملة المقتصدين ، وإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين . وقال بعضهم : المراد بالظالم الكافر ذكره الكلبي . وقيل : المراد منه المنافق ، فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله : { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتب والأول هو المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون ، وعليه عامة أهل العلم . قوله : { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } أي : سابق إلى الجنة أو إلى رحمة الله بالخيرات ، أي : بالأعمال الصالحات ، { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } ، أي : بأمر الله وإرادته ، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } ، يعني : إيراثهم الكتاب . ثم أخبر بثوابهم فقال : { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } ، يعني : الأصناف الثلاثة ، قرأ أبو عمرو و « يُدْخَلونها » بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } . { وَقَالُواْ } , أي : ويقولون إذا دخلوا الجنة : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } , والحَزَنُ واحد كالبَخل والبُخل . قال ابن عباس : حزن النار . وقال قتادة : حزن الموت . وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم . وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات . وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ، وقيل : حزن أهوال يوم القيامة . وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة . وقال سعيد بن جبير : هَمّ الخبز في الدنيا . وقيل : هَمّ المعيشة . وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاشٍ أو لمعادٍ . أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الضحاك الخطيب ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإِسفرايني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإِسماعيلي ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الترابي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ، ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزَنَ " . قوله تعالى : { إِنَّ ربَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } .