Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-79)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } أي : ينزل بكم الموت ، نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أُحد : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فردَّ الله عليهم بقوله : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } ، { وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ، والبروج : الحصون والقلاع ، والمشيّدة : المرفوعة المطوّلة ، قال قتادة : معناه في قصورٍ محصنة ، وقال عكرمة : مُجَصَّصة ، والشّيد : الجص ، { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } ، نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم قالوا لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة : ما زِلْنَا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال الله تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ } يعني : اليهود { حَسَنَةٌ } أي خصب ورخص في السعر ، { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، لنا ، { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } يعني : الجدب وغلاء الأسعار { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أي : من شؤم محمد وأصحابه ، وقيل : المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر ، وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أُحد ، يقولوا هذه من عندك أي : أنت الذي حملتنا عليه يا محمد ، فعلى هذا يكون هذا من قول المنافقين ، { قُلْ } ، لهم يا محمد ، { كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، أي : الحسنة والسيئة كلها من عند الله ، ثم عيّرهم بالجهل فقال : { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ } يعني : المنافقين واليهود ، { لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي : لا يفقهون قولاً ، وقيل : الحديث هاهنا هو القرآن أي : لا يفقهون معاني القرآن . قوله : { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ } قال الفراء : كثرت في الكلام هذه الكلمة حتى توهّمُوا أنّ اللاّم متصلة بها وأنّهما حرف واحد ، ففصلوا اللاّم ممَّا بعدها في بعضه ، ووصلوها في بعضه ، والاتصال القراءة ، ولا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة . قوله عزّ وجلّ : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } ، خير ونعمة { فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَـٰبَكَ مِن سَيِّئَةٍ } ، بليّةٍ أو أمر تكرهه ، { فَمِن نَّفْسِكَ } ، أي : بذنوبك ، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد غيره ، نظيره قوله تعالى : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] ويتعلّق أهل القَدَر بظاهر هذه الآية ، فقالوا : نفى الله تعالى السيئةَ عن نفسه ونسبها إلى العبد ، فقال : { وَمَآ أَصَـٰبَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } ، ولا متعلق لهم فيه ، لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ولا سيآته من الطاعات والمعاصي ، بل المراد منه ما يُصيبهم من النِّعم والمِحنَ ، وذلك ليس من فعلهم بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم ، فقال : { مَّآ أَصَابَكَ } ولا يقال في الطاعة والمعصية أصابني ، إنّما يقال : أصبتها ، ويقال في النِّعَم : أصابني ، بدليل أنه لم يذكر عليه ثواباً ولا عقاباً ، فهو كقوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، ولما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ، ووعد عليها الثواب والعقاب ، فقال { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [ الأنعام : 160 ] . وقيل : معنى الآية : ما أصابك من حسنة من النصر والظفر يوم بدر فمن الله ، أي : من فضل الله ، وما أصابك من سيئة من القتل والهزيمة يوم أُحد فمن نفسك ، أي : بذنب نفسك من مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلم . فإن قيل : كيف وَجْهُ الجمع بين قوله { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } وبين قوله { فَمِن نَّفْسِكَ } ؟ قيل : قوله { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي : الخصبُ والجَدْبُ والنصرُ والهزيمةُ كلُّها من عند الله ، وقوله : { فَمِن نَّفْسِكَ } أي : ما أصابك من سيئة من الله فبذنبِ نفسِكَ عقوبةً لك ، كما قال الله تعالى : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] يدل عليها ما روَى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } وأنَا كتبتُها عليك . وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ، وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } ، { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } . { وَأَرْسَلْنَـٰكَ } ، يا محمد { لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } ، على إرسالك وصدقك ، وقيل : وكفَى بالله شهيداً على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى .