Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 35-54)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا يُلَقَّاهَآ } ، ما يلقى هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة ، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } ، على كظم الغيظ واحتمال المكروه ، { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ } ، في الخير والثواب ، وقال قتادة : " الحظ العظيم " : الجنة ، أي : ما يلقاها إلاَّ من وجبت له الجنة . { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } ، لاستعاذتك وأقوالك { ٱلْعَلِيمُ } ، بأفعالك وأحوالك . قوله عز وجل : { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ للهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ } ، إنما قال " خلقهن " بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ، ولم يجرها على طريق التغليب للمذكر على المؤنث ، { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ } ، عن السجود ، { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } ، يعني الملائكة { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْـئَمُونَ } ، لا يملون ولا يَفْتُرون . { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ } ، دلائل قدرته ، { أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَـٰشِعَةً } ، يابسة غبراء لا نبات فيها ، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِىۤ أَحْيَـٰهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِنَا } ، يميلون عن الحق في أدلتنا ، قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمكاء والتصدية واللغو واللغط . قال قتادة : يكذبون في آياتنا . قال السدي : يعاندون ويشاقون . قال مقاتل . نزلت في أبي جهل . { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ } ، وهو أبو جهل ، { خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىۤ ءَامِناً يومَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، قيل : هو حمزة ، وقيل : عثمان . وقيل : عمار بن ياسر . { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } ، أمر تهديد ووعيد ، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، عالم فيجازيكم به . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ } ، بالقرآن ، { لَمَّا جَآءَهُمْ } ، ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، على تقدير : الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم . وقيل : خبره قوله من بعد : { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } . { وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ } ، قال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما : كريم على الله : قال قتادة : أعزه الله عزّ وجلّ فلا يجد الباطل إليه سبيلاً . وهو قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } ، قال قتادة والسدي : الباطل : هو الشيطان ، لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه . قال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه ، فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وعلى هذا معنى " الباطل " : الزيادة والنقصان . وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله ، { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ، ثم عزّى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم . فقال : { مَّا يُقَالُ لَكَ } ، من الأذى ، { إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } ، يقول : إنه قد قيل للأنبياء والرسل قبلك : ساحر ، كما يقال لك وكُذِّبوا كما كُذِّبْتَ ، { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } ، لمن تاب وآمن بك { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } ، لمن أصر على التكذيب . { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ } ، أي : جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس ، { قُرْءَاناً أعْجَمِيّاً } ، بغير لغة العرب ، { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ } ، هلاّ بينت آياته بالعربية حتى نفهمها ، { ءَأَعْجَمِيٌ وَعَرَبِيٌ } ، يعني : أكتاب أعجمي ورسول عربي ؟ وهذا استفهام على وجه الإنكار ، أي : أنهم كانوا يقولون : المنزَّل عليه عربي والمنزَل أعجمي . قال مقاتل : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على يسارٍ ، غلام عامر بن الحضرمي ، وكان يهودياً أعجمياً ، يكنى أبا فكيهة ، فقال المشركون : إنما يعلمه يسار فضربه سيده ، وقال : إنك تعلم محمداً ، فقال يسار : هو يعلمني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { قُلْ } ، يا محمد ، { هُوَ } ، يعني القرآن ، { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } ، هدى من الضلالة وشفاء لما في القلوب ، وقيل : شفاء من الأوجاع . { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } ، قال قتادة : عَمُوا عن القرآن وصمُّوا عنه فلا ينتفعون به ، { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، أي : أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم ، وهذا مَثَلٌ لقلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون . { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } ، فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك ، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } ، في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن { لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ } ، لفرغ من عذابهم وعُجِّل إهلاكهم ، { وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } ، من صدقك ، { مُرِيبٍ } ، موقع لهم الريبة . { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } . { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } ، أي : علمها إذا سئل عنها مردود إليه لا يعلمه غيره ، { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَٰتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } ، قرأ أهل المدينة والشام وحفص : " ثمرات " ، على الجمع ، وقرأ الآخرون " ثمرة " على التوحيد ، { مِّنْ أَكْمَامِهَا } أوعيتها واحدها : كِمٌّ . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني الكُفَرَّى قبل أن تنشق . { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } ، [ إلا بإذنه ] ، يقول : يرد إليه علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنتاج . { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } ، ينادي الله المشركين ، { أَيْنَ شُركَآئِيَ } ، الذين كنتم تزعمون أنها آلهة ، { قَالُواْ } ، يعني المشركين ، { ءَاذَنَّاكَ } ، أعلمناك ، { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } ، أي : من شاهد بأن لك شريكاً لَمَّا عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام . { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ } ، يعبدون ، { مِن قَبْلُ } ، في الدنيا { وَظَنُّواْ } ، أيقنوا ، { مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ } ، مهرب . { لاَّ يَسْـئَمُ ٱلإِنْسَـٰنُ } ، لا يمل الكافر ، { مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ } ، أي : لا يزال يسأل ربَّه الخير ، يعني المال والغنى والصحة ، { وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ } ، الشدة والفقر ، { فيؤُوسٌ } ، من روح الله ، { قَنُوطٌ } ، من رحمته . { وَلَئِنْ أَذَقْنَـٰهُ رَحْمَةً مِّنَّا } ، آتيناه خيراً وعافية وغنى ، { مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } ، من بعد شدة وبلاء أصابته ، { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } ، أي : بعملي وأنا محقوق بهذا ، { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّىۤ إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } ، يقول هذا الكافر : لست على يقين من البعث ، فإن كان الأمر على ذلك ، وَرُدِدتُ إلى ربي إن لي عنده للحسنى ، أي : الجنة ، أي : كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة { فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لنقفنَّهم على مساوئ أعمالهم ، { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } . { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } ، كثير والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة ، فيقال : أطال فلان الكلام والدعاء وأعرض ، أي : أكثر . { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ } ، هذا القرآن { مِنْ عِندِ ٱللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } ، خلاف للحق بعيد عنه ، أي : فلا أحد أضل منكم . { سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِِ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني منازل الأمم الخالية . { وَفِىۤ أَنفُسِهِمْ } ، بالبلاء والأمراض . وقال قتادة : في الآفاق يعني : وقائع الله في الأمم ، وفي أنفسهم يوم بدر . وقال مجاهد ، والحسن ، والسدي : " في الآفاق " : ما يفتح من القرى على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، " وفي أنفسهم " : فتح مكة . { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } ، يعني : دين الإسلام . وقيل : القرآن يتبين لهم أنه من عند الله . وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم ، يتبين لهم أنه مؤيد من قبل الله تعالى . وقال عطاء وابن زيد : " في الآفاق " يعني : أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار ، " وفي أنفسهم " من لطيف الصنعة وبديع الحكمة ، حتى يتبين لهم أنه الحق . { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } ، قال مقاتل : أوَ لَمْ يكفِ بربّك شاهداً أن القرآن من الله تعالى . قال الزجاج : معنى الكفاية ها هنا : أن الله عز وجل قد بين من الدلائل ما فيه كفاية ، يعني : أو لم يكف بربك لأنه على كل شيء شهيد ، شاهد لا يغيب عنه شيء . { أَلآ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } ، في شك من البعث ، { أَلآ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطُ } ، أحاط بكل شيء علماً .