Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 33-35)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ } ، لم يعجز عن إبداعهن ، { بِقادِرٍ } ، هكذا قراءة العامة ، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه ، فقال أبو عبيدة والأخفش : الباء زائدة للتأكيد ، كقوله : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } . ، وقال الكسائي والفراء : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد ، فتقول : ما أظنك بقائم . وقرأ يعقوب : " يقدر " بالياء على الفعل ، واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء . { عَلَىٰ أَن يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } . { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } ، فيقال لهم ، { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ } ، أي فيقال لهم ، { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } . { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } ، قال ابن عباس : ذوو الحزم . وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر . واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كل الرسل . كانوا أولي عزم ، لم يبعث الله نبياً إلا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أُدخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز . وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى ، لعجلةٍ كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلحوت } ؟ . وقال قوم : هم نُجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين . وقيل : هم ستة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء . وقال مقاتل : هم ستة : نوح ، صبر على أذى قومه ، وإبراهيم ، صبر على النار ، وإسحاق ، صبر على الذبح ، ويعقوب ، صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف ، صبر على البئر والسجن ، وأيوب صبر على الضر . وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، أصحاب الشرائع ، فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة . قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [ الأحزاب : 7 ] ، وفي قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلِدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [ الشورى : 13 ] . أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، أخبرنا محمد بن الحجاج ، أخبرنا السري بن حيان ، أخبرنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ، ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلاّ بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ، ولم يرض إلاّ أن كلفني ما كلفهم ، وقال : " فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وإني والله لا بدّ لي من طاعته ، والله لأصبرنّ كما صبروا ، وأجهدنّ كما جهدوا ، ولا قوة إلا بالله " . قول تعالى : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } ، أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأُمر بالصبر وترك الاستعجال . ثم أخبر عن قرب العذاب فقال : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } ، من العذاب في الآخرة ، { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ } ، في الدنيا ، { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } ، أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلاً كأن لم يكن . ثم قال : { بَلاَغٌ } ، أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ، { فَهَلْ يُهْلَكُ } ، بالعذاب إذا نزل { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } ، الخارجون من أمر الله . قال الزجاج : تأويله : لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آيةٌ أقوى من هذه الآية .