Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 22-38)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } ، فلعلكم ، { إِن تَوَلَّيْتُمْ } ، أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ، { أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء ، وترجعوا إلى الفرقة بعدما جمعكم الله بالإسلام . { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } ، قرأ يعقوب : " وتَقْطَعُوا " بفتح التاء خفيف ، والآخرون بالتشديد و " تقطَّعوا " من التقطيع ، على التكثير ، لأجل الأرحام ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن ؟ وقال بعضهم : هو من الولاية . وقال المسيب ابن شريك والفراء : يقول فهل عسيتُم إنْ وُليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب " تُوُلِيتم " بضم التاء والواو وكسر اللام ، يقول : إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتوهم . { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } ، عن الحق . { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } ، فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه ، و " أم " بمعنى " بل " . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأني عقيل بن محمد ، أخبرنا المعافَى بن زكريا ، أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا بشر ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } فقال شابٌّ من أهل اليمن : بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشابُّ في نفس عمر حتى وُلّي فاستعان به . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ } ، رجعوا كفاراً ، { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } ، قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم . وقال ابن عباس والضحاك والسدي : هم المنافقون . { ٱلشَّيْطَـٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ } ، زين لهم القبيح ، { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } ، قرأ أهل البصرة بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسمَّ فاعله ، وقرأ مجاهد بإرسال الياء على وجه الخبر من الله عزّ وجلّ عن نفسه أنه يفعل ذلك ، وتروى هذه القراءة عن يعقوب ، وقرأ الآخرون : { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } بفتح الألف ، أي : وأملى الشيطان لهم ، مدّ لهم في الأمل . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } ، يعني المنافقين أو اليهود ، { قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللهُ } ، وهم المشركون ، { سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ ٱلأَمْرِ } ، في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد ، وكانوا يقولونه سراً فأخبر الله تعالى عنهم ، { وَٱللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } ، قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر : بكسر الهمزة على المصدر ، والباقون بفتحها على جمع السر . { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ * ذَلِكَ } ، الضرب ، { بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللهَ } ، قال ابن عباس : بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ } ، كرهوا ما فيه رضوان الله ، وهو الطاعة والإيمان . { فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ } . { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ، يعني المنافقين ، { أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللهُ أَضْغَـٰنَهُمْ } ، لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم ، واحدها : " ضغن " ، قال ابن عباس : حسدهم . { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } ، أي لأعلمناكهم وعرَّفناكهم ، { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } ، بعلامتهم ، قال الزجاج : المعنى : لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها . قال أنس : ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم . { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } ، في معناه ومقصده . " واللحن " : وجهان صواب وخطأ ، فالفعل من الصواب : لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْناً فهو لَحِنٌ إذا فطن للشيء ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض " . والفعل من الخطأ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْناً فهو لاَحِنٌ . والأصل فيه : إزالة الكلام عن جهته . والمعنى : إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ، ويستدل بفحوى كلامه على فساد دخيلته . { وَٱللهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ } . { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } ، ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال ، { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ } ، أي : علم الوجود ، يريد : حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره ، { وَنَبْلُوَاْ أَخْبَـٰرَكُمْ } ، أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال ، ولا يصبر على الجهاد . وقرأ أبو بكر عن عاصم " وليبلونكم حتى يعلم " ، ويبلو بالياء فيهن ، لقوله تعالى : { وَٱللهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلكُم } ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن ، لقوله تعالى { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } ، وقرأ يعقوب " ونبلوا " ساكنة الواو ، رداً على قوله : " ولنبلونكم " وقرأ الآخرون بالفتح رداً على قوله { حَتَّىٰ نَعْلَمَ } . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللهَ شَيْئاً } ، إنما يضرون أنفسهم ، { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـٰلَهُمْ } ، فلا يرون لها ثواباً في الآخرة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم المطعمون يوم بدر ، نظيرها قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ } [ الأنفال : 36 ] الآية . { يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَـٰلَكُمْ } ، قال عطاء : بالشك والنفاق ، وقال الكلبي : بالرياء والسمعة . وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر . وقال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعده أن تحبط الأعمال . وقال مقاتل : لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم ، نزلت في بني أسد ، وسنذكره في سورة الحجرات إن شاء الله تعالى . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ ٱللهُ لَهُمْ } ، قيل : هم أصحاب القليب . وحكمها عام . { فَلاَ تَهِنُواْ } ، لا تضعفوا { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } ، أي لا تدعوا إلى الصلح ابتداء ، منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح ، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ، { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } ، الغالبون ، قال الكلبي : آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، { وَٱللهُ مَعَكُمْ } ، بالعون والنصرة ، { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } ، لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم ، يقال : وتره يتره وتراً وتِرَةً : إذا نقص حقه ، قال ابن عباس ، وقتادة ، ومقاتل والضحاك : لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها . ثم حضَّ على طلب الآخرة فقال : { إِنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } ، باطل وغرور ، { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ } ، الفواحش ، { يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } ، جزاء أعمالكم في الآخرة ، { وَلاَ يَسْئَلْكُمْ } ، ربكم ، { أَمْوَٰلَكُمْ } ، لإِيتاء الأجر بل يأمركم بالإِيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة ، نظيره قوله : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } [ الذاريات : 57 ] ، وقيل : لا يسألكم محمدٌ أموالكم ، نظيره : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ الفرقان : 57 ] . وقيل : معنى الآية : لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات ، إنما يسألانكم غيضاً من فيض ، ربع العشر فطيبوا بها نفساً . وإلى هذا القول ذهب ابن عُيينة ، يدل عليه سياق الآية : { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ } ، أي يجهدكم ويلحف عليكم بمسألةِ جميعها ، يقال : أحفى فلان فلاناً إذا جهده ، وألحف عليه بالمسألة . { تَبْخَلُواْ } ، بها فلا تعطوها . { وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ } ، بغضكم وعدواتكم ، قال قتادة : علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان . { هَآ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللهِ } ، يعني إخراج ما فرض الله عليكم ، { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } ، بما فرض عليه من الزكاة ، { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللهُ ٱلْغَنِىُّ } ، عن صدقاتكم وطاعتكم ، { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } ، إليه وإلى ما عنده من الخير . { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُمْ } ، بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم . قال الكلبي : هم كندة والنحع ، وقال الحسن : هم العجم . وقال عكرمة : فارس والروم . أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نصر الكوفاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر ، حدثنا إسحاق النجيبي المصري المعروف بابن النحاس ، أخبرنا أبو الطيب الحسن بن محمد الرياش ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } ، قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال : " هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " .