Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-5)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللهِ وَرَسُولِهِ } قرأ يعقوب : " لاَ تَقَدَّموا " بفتح التاء والدال ، من التقدم أي لا تتقدموا ، وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال ، من التقديم ، وهو لازم بمعنى التقدم ، قال أبو عبيدة تقول العرب : لا تقدم بين يدي الإِمام وبين يدي الأب ، أي لا تعجل بالأمر والنهي دونه ، والمعنى : بين اليدين الأَمام . والقدام : أي لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما . واختلفوا في معناه : روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأَضحى ، وهو قول الحسن ، أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن ناساً ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن زيد ، عن الشعبي ، " عن البراء قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، قال : « إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجّله لأهله ليس من النسك في شيء » " . وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك ، أي : لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة ، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم ، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أَمِّرِ القعقاع معبد بن زرارة ، قال عمر : بل أَمِّر الأقرع بن حابس ، قال أبو بكر : ما أردتَ إلاّ خلافي ، قال عمر : ما أردتُ خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت في ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بينَ يَدىِ ٱللهِ وَرَسُولِهِ } حتى انقضت . ورواه نافع عن ابن أبي مُليكة ، قال : فنزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } إلى قوله : { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } ، وزاد : قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه , ولم يذكر عن أبيه ، يعني أبا بكرٍ . وقال قتادة : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون : لو أُنزل في كذا ، أو صُنع في كذا وكذا ، فكره الله ذلك . وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه . وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الذين لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله . { وَٱتَّقُواْ ٱللهَ } ، في تضييع حقه ومخالفة أمره ، { إِنَّ ٱللهَ سَمِيعٌ } ، لأقوالكم ، { عَلِيمٌ } بأفعالكم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } ، أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده ، ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضاً ، { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } ، لئلا تحبط حسناتكم . وقيل : مخافة أن تحبط حسناتكم ، { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا الحسن ابن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : " لما نزلت هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } الآية ، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمر ما شأن ثابت أشتكى ؟ فقال سعد : إنه لجاري وما علمت له شكوى ، قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار ، فذكر ذلك سعدٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هو من أهل الجنة » . ورُوي أنه لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي ، فمرّ به عاصم بن عدي فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ فقال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ ، وأنا رفيع الصوت أخاف أن يحبط عملي ، وأن أكون من أهل النار ، فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغلب ثابتاً البكاء ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال لها : إذا دخلتُ بيت فرسي فشدي عليّ الضبَّة بمسمار ، وقال : لا أخرج حتى يتوفاني الله أو يرضى عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى عاصمٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره فقال له : اذهب فادعه ، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده ، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس ، فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك ، فقال : اكسرِ الضبة فكسرها ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا ثابت " ؟ فقال : أنا صيّتٌ وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة " ؟ فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ولا أرفع صوتي أبداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللهِ } الآية " . قال أنس : فكنّا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا ، فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب ، رأى ثابت من المسلمين بعض الانكسار وانهزمت طائفة منهم ، فقال : أفٍ لهؤلاء ، ثم قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا ، ثم ثبتا وقاتلا حتى قُتلا ، واستشهد ثابت وعليه درع ، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له : اعلم أن فلاناً رجل من المسلمين نزع درعي فذهب بها وهي في ناحية من المعسكر عند فرس يسير في طِوَلِهِ ، وقد وضع على درعي بُرْمَة فأْتِ خالد بن الوليد وأخبره حتى يسترد درعي ، وأتِ أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلْ له : إن عليّ ديناً حتى يقضى ، وفلان وفلان من رقيقي عتيق ، فأخبر الرجل خالداً فوجد درعه والفرس على ما وصفه له ، فاسترد الدرع ، وأخبر خالدٌ أبا بكر بتلك الرؤيا فأجاز أبو بكر وصيته . قال مالك بن أنس : لا أعلم وصيةً أُجيزتْ بعد موت صاحبها إلاّ هذه . قال أبو هريرة وابن عباس : لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ كأخي السرار . وقال ابن الزبير : لما نزلت هذه الآية ما حدَّث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَٰتَهُمْ } ، يخفضون { أَصْوَٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللهِ } ، إجلالاً له ، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } ، اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج خالصه ، { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } . { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَٰتِ } ، قرأ العامة بضم الجيم ، وقرأ أبو جعفر بفتح الجيم ، وهما لغتان ، وهي جمع الحُجَر ، والحُجَرُ جمع الحُجْرَةِ فهي جمع الجمع . قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأمَّرَ عليهم عيينة بن حفص الفزاري ، فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم ، فسباهم عيينة بن حصن وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري ، فقدموا وقت الظهيرة ، ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً في أهله ، فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون ، وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة ، فعجّلوا قبل أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا ينادون : يا محمد اخرج إلينا ، حتى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم فقالوا : يا محمد فادِنَا عيالنا ، فنزل جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترضون أن يكون بيني وبينكم سَبرة بن عمرو ، وهو على دينكم ؟ فقالوا : نعم ، فقال سبرة : أنا لا أحكم بينهم إلاّ وعمي شاهد ، وهو الأعور بن بشامة ، فرضوا به ، فقال الأعور : أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد رضيت ، ففادى نصفهم وأعتق نصفهم . فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ، وصفهم بالجهل وقلة العقل . { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } ، قال مقاتل : لكان خيراً لهم لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء ، { وَٱللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقال قتادة : نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب . ويُروى ذلك عن جابر قال : جاءت بنو تميم فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد ، فإنّ مَدْحنا زين ، وذمَّنا شين ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين " ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما بالشعر بُعثتُ ولا بالفخار أُمرتُ ، ولكن هاتوا " ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم : " قم فأجبه " ، فأجابه ، وقام شاعرهم فذكر أبياتاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : " أجبه فأجابه " ، فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إن محمداً لمُؤتًى له والله ما أدري ما هذا الأمر ، تكلم خطيبنا ، فكان خطيبهم أحسن قولاً ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولاً ، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يضرك ما كان قبل هذا " ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم ، وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنة ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم ، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل فيهم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَٰتَكُمْ } الآيات الأربع إلى قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكاً نعش في جنابه ، فجاؤوا فجعلوا ينادونه ، يا محمد يا محمد ، فأنزل الله : { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .