Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 39-41)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } أي : سرقته ، { وَأَصْلَحَ } العمل ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما القطع فلا يسقط عنه بالتوبة عند الأكثرين ، قال مجاهد : قطع السارق توبته فإذا قطع حصلت التوبة ، والصحيح أن القطع للجزاء على الجناية ، كما قال : " جزاءً بما كسبا " فلا بدّ من التوبة بعد ، وتوبته الندم على ما مضى والعزم على تركه في المستقبل ، وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : لا غرم عليه ، وبالاتفاق إن كان المسروق باقياً عنده يسترده وتقطع يده لأن القطع حق الله تعالى والغرم حق العبد ، فلا يمنع أحدهما الآخر ، كاسترداد العين . { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ والأَرْضِ } ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الجميع ، وقيل : معناه ألم تعلم أيها الإنسان فيكون خطاباً لكل واحد من الناس ، { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } ، قال السدي والكلبي : يعذب من يشاء : من مات على كفره ويغفر لمن يشاء : [ الكبيرة ] ، من تاب من كفره ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يعذب من يشاء على الصغيرة ويغفر لمن يشاء على الكبيرة ، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } . قوله تعالىٰ : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } ، أي : في موالاة الكفار فإنهم لن يعجزوا الله ، { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِأَفْوَٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } ، وهم المنافقون ، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } ، يعني : اليهود ، { سَمَّـٰعُونَ } ، أي : قوم سماعون ، { لِلْكَذِبِ } ، أي : قابلون للكذب ، كقول المصلي : سمع الله لمن حمده ، أي : قبل الله ، وقيل : معناه : سماعون لأجل الكذب ، أي : يسمعون منك ليكذبوا عليك ، وذلك أنهم كانوا يسمعون من الرسول ثم يخرجون ويقولون سمعنا منه كذا ولم يسمعوا ذلك منه ، { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } ، أي : هم جواسيس ، يعني : بني قريظة لقوم آخرين وهم أهل خيبر . وذلك أن رجلاً وامرأةً من أشراف أهل خيبر زنيا وكانا محصنين ، وكان حدّهما الرجم في التوراة ، فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما ، فقالوا : إن هذا الرجل الذي بيثرب ليس في كتابه الرجم ولكنه الضرب ، فأرسِلوا إلى إخوانكم بني قريظة فإنهم جيرانه وصلح له فليسألوه عن ذلك . فبعثوا رهطاً منهم مستخفين وقالوا لهم : سلوا محمداً عن الزانيين إذا أحصنا ما حدّهما ؟ فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه ، وإن أمركم بالرجم فاحذروه ولا تقبلوا منه ، وأرسلوا معهم الزانيين فقدم الرهط حتى نزلوا على بني قريظة والنضير فقالوا لهم : إنكم جيران هذا الرجل ومعه في بلده وقد حدث ، فينا حدث فلان وفلانة قد فَجَرَا وقد أحصنا ، فنحب أن تسألوا لنا محمداً عن قضائه فيه ، فقالت لهم قريظة والنضير : إذاً والله يأمركم بما تكرهون . ثم " انطلق قوم منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وسَعْية بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ما حدُّهما في كتابك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : هل ترضون بقضائي ؟ قالوا : نعم ، فنزل جبريل عليه السلام بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به . فقال له جبريل عليه السلام : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفَه له . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هل تعرفون شاباً أمرد أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟ » قالوا : نعم ، قال : « فأيّ رجل هو فيكم ؟ » فقالوا : هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه وتعالى على موسى عليه السلام في التوراة . قال : أرسلوا إليه ، ففعلوا فأتاهم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « أنت ابن صوريا ؟ » قال : نعم ، قال : « وأنت أعلم اليهود » قال : كذلك يزعمون ، قال : « أتجعلونه بيني وبينكم ؟ » قالوا : نعم . فقال له النبيّ : « أنشدك بالله الذي لا إله إلاّ هو الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام وأخرجكم من مصر ، وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون ، والذي ظلّل عليكم الغمام وأنزل عليكم المنّ والسلوى ، وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه ، هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟ » . قال ابن صوريا : نعم والذي ذكرتني به لولا خشية أن تحرقني التوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعْترفت لك ، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : « إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم ، » فقال ابن صوريا : والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله عزّ وجلّ في التوراة على موسى عليه السلام ، فقال له النبيّ : « فما كان أول ما ترخصتم به أمْرَ الله ؟ » قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ ، فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنا ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ، ثم زنى رجل آخر في أثره من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه ، وقالوا : والله لا ترجمه حتى يرجم فلان - لابن عم الملك - فقلنا : تعالوا نجتمع فلنصنعْ شيئاً دون الرجم يكون على الوضيع والشريف ، فوضعنا الجلدَ والتحميم ، وهو أن يجلد أربعين جلدة بحبل مطلي بالقار ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما ، فجعلوا هذا مكان الرجم ، فقال اليهود [ لابن صوريا ] : ما أسرع ما أخبرته به ، وما كنت لما أثنينا عليك بأهل ولكنّك كنت غائباً فكرهنا أن نغتابك ، فقال لهم : إنه قد أنشدني بالتوراة ولولا خشية التوراة أن تهلكني لما أخبرته به ، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما عند باب مسجده ، وقال : اللّهمّ إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ، " فأنزل الله عزّ وجلّ : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } . أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم قال : " إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أنّ رجلاً منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ » فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، قال عبدالله بن سلام : كذبتم إن فيها لآية الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبدالله : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، قالوا : صدق يامحمد فيها آية الرجم ، وأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ، فقال عبدالله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة " . وقيل : سبب نزول هذه الآية القصاص ، وذلك أنّ بني النضير كان لهم فضل على بني قريظة ، فقال بنو قريظة : يامحمد إخواننا بنو النضير وأبونا واحد وديننا واحد ونبينا واحد ، وإذا قتلوا منا قتيلاً لم يقيدونا وأعطونا ديّته سبعين وسقاً من تمر ، وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل وأخذوا منّا الضعف مائة وأربعين وسقاً من تمر ، وإن كان القتيل امرأة قتلوا بها الرجل منّا وبالرجل منهم الرجلين منّا ، وبالعبد حراً منّا ، وجراحتنا على التضعيف من جراحاتهم ، فاقضِ بيننا وبينهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . والأول أصح لأن الآية في الرجم . قوله : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } ، قيل : اللام بمعنى إلى ، وقيل : هي لام كي ، أي : يسمعون لكي يكذبوا عليك ، واللام في قوله : { لِقَوْمٍ } ، أي : لأجل قوم { آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } وهم أهل خيبر ، { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } ، [ جمع كلمة ] ، { مِن بَعْدِ مَوَٰضِعِهِ } ، أي : من بعد وضعه مواضعه ، وإنما ذكر الكناية ردّاً على لفظ الكلم ، { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } ، إي : [ إن ] أفتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بالجلد والتحميم فاقبلوه ، { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ } ، كفره وضلالته ، قال الضحاك : هلاكه ، وقال قتادة : عذابه ، { فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ، فلن تقدر على دفع أمر الله فيه ، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } ، وفيه ردّ على من ينكر القدر ، { لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ } ، أي : للمنافقين واليهود ، فخزي المنافقين الفضيحة وهتك الستر بإظهار نفاقهم ، وخزيُ اليهود الجزية أو القتل والسبي والنفي ، ورؤيتهم من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيهم ما يكرهون ، { وَلَهُمْ فِى ٱلأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، الخلود في النار .