Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 43-44)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ } ، هذا تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه اختصار ، أي : كيف يجعلونك حكماً بينهم فيرضون بحكمك وعندهم التوراة ؟ { فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } ، وهو الرجم ، { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي : بمصدّقين لك . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } ، أي : أسلموا وانقادوا [ لأمر ] الله تعالى ، كما أخبر عن إبراهيم عليه السلام : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ البقرة : 131 ] وكما قال : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 83 ] ، وأراد بهم النبيين الذين بعثوا من بعد موسى عليه السلام ليحكموا بما في التوراة ، وقد أسلموا لحكم التوراة وحكموا بها ، فإن من النبيين من لم يؤمر بحكم التوراة منهم عيسى عليه السلام ، قال الله سبحانه وتعالىٰ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] . وقال الحسن والسدي : أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم ، ذكر بلفظ الجمع كما قال : { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا } [ النحل : 120 ] . وقوله تعالى : { لِلَّذِينَ هَادُواْ } ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : فيها هدى ونور للذين هادوا ثم قال يحكم بها النبيّون الذين أسلموا والربانيون ، وقيل : هو على موضعه ، ومعناه : يحكم بها النبيّون الذين أسلموا على الذين هادوا ؛ كما قال : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الاسراء : 7 ] أي : فعليها ، وكما قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } [ الرعد : 25 ] أي : عليهم ، وقيل : فيه حذف كأنه قال : للذين هادوا وعلى الذين هادوا فحذف أحدهما اختصاراً . { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } ، يعني : العلماء ، واحدهم حبر ، وحبر بفتح الحاء وكسرها ، والكسر أفصح ، وهو العالم المحكم للشيء ، قال الكسائي وأبو عبيد : هو من الحبر الذي يكتب به ، وقال قطرب : هو من الحبر الذي هو بمعنى الجمال بفتح الحاء وكسرها ، وفي الحديث : " يخرجُ مِنَ النّار رجلٌ قد ذهبَ حِبرُه وسِبرُه " أي : حُسنه وهيئته ، ومنه التحبير وهو التحسين ، فسمى العالم حبراً لما عليه من جمال العلم وبهائه ، وقيل : الربانيون هاهنا من النصارى ، والأحبار من اليهود ، وقيل : كلاهما من اليهود . قوله عزّ وجلّ : { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } ، أي : استُودعوا من كتاب الله ، { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } ، أنه كذلك . { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِى ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ، قال قتادة والضحاك : نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود دون من أساء من هذه الأمة . رُوي عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ، والظالمون والفاسقون كلها في الكافرين ، وقيل : هي على الناس كلهم . وقال ابن عباس وطاوس : ليس بكفر ينقل عن الملّة ، بل إذا فعله فهو به [ كافر ] ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر . قال عطاء : هو كفرٌ دُونَ كفرٍ ، وظُلمٌ دون ظلم ، وفسق دون فسق ، وقال عكرمة معناه : ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به فقد كفر ، ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق . وسئل عبد العزيز بن يحيى الكناني عن هذه الآيات ، فقال : إنها تقع على جميع ما أنزل الله لا على بعضه ، فكل من لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو ظالم فاسق ، فأمّا من حكم بما أنزل الله من التوحيد وترك الشرك ، ثم لم يحكم [ بجميع ] ما أنزل الله من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات . وقال العلماء : هذا إذا ردّ نصَّ حكمِ الله عياناً عمداً ، فأمّا من خفي عليه أو أخطأ في تأويل فلا .