Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 53-54)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ و } ، حينئذ ، { يَقُولُ الَّذِينَ آمنُواْ } [ قرأ أهل الكوفة : " ويقولُ " بالواو والرفع ] وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفاً على { أَن يَأْتِىَ } ، أي : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام ، وكذلك هو في مصاحف أهل [ العالية ] ، استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها ، يعني : يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين ، { أَهَـٰۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } ، حلفوا بالله ، { جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } ، أي : حلفوا بأغلظ الأيمان ، { إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } ، أي : إنهم مؤمنون ، يريد : أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل . قال الله تعالى : { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } ، بطل كل خير عملوه ، { فَأَصْبَحُواْ خَـٰسِرِينَ } ، خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب . قوله عزّ وجلّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ، قرأ أهل المدينة والشام " يرتدد " بدالين على إظهار التضعيف { عَن دِينِهِ } ، فيرجع إلى الكفر . قال الحسن : علم الله تبارك وتعالى أن قوماً يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيّهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه . واختلفوا في أولئك القوم من هم ؟ قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وقتادة : هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبِض ارتدّ عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبدالقيس ، ومنع بعضهم الزكاة ، وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عمر رضي الله عنه : كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فمنْ قالها فقد عصمَ مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزّ وجلّ ؟ " فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني [ عناقاً ] كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا : أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده ، فلم يجدوا بدّاً من الخروج على أثره . قال ابن مسعود : كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء . قال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا حصين يقول : ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه ، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة . وقد كان قد ارتدّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق : منهم : [ بنو مذحج ] ورئيسهم ذو الخمار عبهلة بن كعب العنسي ، ويلقب بالأسود ، كان كاهناً مشعبذاً فتنبأ باليمن واستولى على بلادها ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين ، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسّك بدينهم ، وعلى النهوض إلى حرب الأسود ، فقتله فيروز الديلمي على فراشه ، قال ابن عمر رضي الله عنه : فأتى الخبرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قُتل فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قُتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك » ، قيل : ومن هو ؟ قال : « فيروز » " [ فازفيروز ] فبشّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود ، وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد ؛ وأتى [ خبرُ ] مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعدما خرج أسامة وكان ذلك أول فتح ، جاء أبو بكر رضي الله عنه . والفرقة الثانية : بنو حنيفة باليمامة ، ورئيسهم مسيلمة الكذاب ، [ واسمه ثمامة بن قيس ] ، وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر ، وزعم أنه أُشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوّة ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك ، وبعث [ بذلك ] إليه مع رجلين من أصحابه ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشهدان أن مسيلمة رسول الله ؟ قالا : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لولا أنّ الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما » ، ثم أجاب : « من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، أمّا بعد فإن الأرضَ للَّهِ يُورثُها مَنْ يشاءُ من عباده ، والعاقبةُ للمتقين » " ، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي ، غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبدالمطلب ، بعد حرب شديد ، وكان وحشي يقول : قتلتُ خيرَ الناس في الجاهلية وشرَّ الناس في الإسلام . والفرقة الثالثة : بنو أسد ورئيسهم طليحة بن خويلد ، وكان طليحة آخر من ارتد ، وادّعى النبوّة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوّل من قُوتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردّة ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه ، فهزمهم خالد بعد قتال شديد ، وأفلت طليحة فمرّ على وجهه هارباً نحو الشام ، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه . وارتدّ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم [ في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ] خلق كثير ، حتى كفى الله المسلمين أمرهم ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه . قالت عائشة : « توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدتِ العربُ واشرأبّ النفاق ، ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها » . وقال قوم : المراد بقوله : { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هم الأشعريون . " رُوي عن عياض بن غنم الأشعري قال : لمّا نزلت هذه الآية : { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هم قومُ هذا , وأشار إلى أبي موسى الأشعري » وكانوا من اليمن " . أخبرنا أبو عبدالله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا أبو عبدالله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن [ علي الكشميهني ، حدثنا علي بن ] حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوباً وأرقّ أفئدةً ، الإيمانُ يمانٌ والحكمةُ يمانيةٌ " وقال الكلبي : هم أحياء من اليمن ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة ، وثلاثة آلاف من أفناء الناس ، فجاهدوا في سبيل الله يوم القادسية في أيام عمر رضي الله عنه . قوله عزّ وجلّ : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، يعني : أرقّاء رحماء ، لقوله عزّ وجلّ : { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } ، ولم يرد به الهوان ، بل أراد أنّ جانبهم لين على المؤمنين . وقيل : هو من الذلُّ من قولهم دابة ذلول ، يعني أنهم متواضعون . قال الله تعالى : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } ، { أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } ، أي : أشداء غلاظ على الكفار يُعادونهم ويُغالبونهم ، من قولهم : عزّه أي غلبه . قال عطاء : أذلةٍ على المؤمنين : كالولد لوالده والعبد لسيده ، أَعزّةٍ على الكافرين : كالسبع على فريسته ، نظيره قوله تعالىٰ : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ، { يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } ، يعني : لا يخافون في الله لوم الناس ، وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم ، وروينا عن عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأنْ نقومَ أو نقولَ بالحق حيثما كنّا لا نخاف في الله لومةَ لائم " . { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } ، أي : محبتهم لله ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين ، من فضل الله عليهم ، { وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } .