Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىۤ أَيْمَـٰنِكُمْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت : ( لا تُحرّموا طيباتِ ما أحلّ الله لكم ) ، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه ، فأنزل الله : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىۤ أَيْمَـٰنِكُمْ } ، { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } , قرأ حمزة والكسائي [ وأبو بكر ] ( عقدتم ) بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر ( عاقدت ) بالألف وقرأ الآخرون ( عقّدتم ) بالتشديد ، أي : وكّدتم ، والمراد من الآية قصدتم وتعمّدتم ، ( فكفارته ) ، أي : كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم ، { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ } ، واختلفوا في قدره : فذهب قوم إلى أنه يُطعم كل مسكين مُدّاً من الطعام بمدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، وكذلك في جميع الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن . وقال أهل العراق : عليه لكل مسكين مُدّانِ ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعليّ رضي الله عنهما . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحَكم . ولو غدّاهم وعشاهم لا يجوز ، وجوّز أبو حنيفة ، ويُروى ذلك عن عليّ رضي الله عنه . ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحبِّ إليهم ، وجوّز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك . ولو صرف الكل إلى مسكين واحد [ لا يجوز ] ، وجوّز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز أن يصرف إلاّ إلى مسلم حرٍ محتاج ، فإن صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجوز ، وجوّز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة . واتّفقوا على أنّ صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز . قوله تعالى : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ، أي : من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخل ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت والكل [ يجزيء ] . قوله تعالى : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } ، كلّ من لزمته كفارة اليمين فهو فيها إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإنْ شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة ، فاختلفوا في قدرها . فذهب قوم إلى أنه يكسو كلّ مسكين ثوباً واحداً مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رِدَاء أو قميص أو سراويل أو عمامة أو كِسَاء أو نحوها ، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى . وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجال ثوباً واحداً والنساء ثوبين درعاً وخماراً . وقال سعيد بن المسيب : لكل مسكين ثوبان . قوله عزّ وجلّ : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ، وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات ، مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان يجب فيها إعتاق رقبة مؤمنة ، وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلاّ في كفارة القتل ، لأن الله تعالى قيّد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يُحمل على المقيّد [ كما أن الله تعالى قيّد الشهادة بالعدالة في موضع ، فقال : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىعَدْلٍ مِنْكُم } [ الطلاق : 2 ] ، وأطلق في موضع , فقال : { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } [ البقرة : 282 ] ، ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيّد ، كذلك هاهنا ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة . ويُشترط أن يكون سليم الرق حتى لو أعتق عن كفارته مُكاتباً أو أم ولد أو عبداً اشتراه بشرط العتق أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، يُعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وجوّز أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدّى شيئاً من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضرّ بالعمل ضرراً بيّناً حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ولا الزَّمِن ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضرّ بالعمل ضرراً بيّناً . وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كلُّ عيب يفوِّت جنساً من المنفعة [ على الكمال ] يمنع الجواز ، حتى جوّز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين . قوله عزّ وجلّ : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ } ، إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الإطعام والكسوة وتحرير الرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله وحاجته ما يطعم أو يكسو أو يعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام . وقال بعضهم : إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام ، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير . واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم ، فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرّق ، والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع قياساً على كفارة القتل والظهار ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ، ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : صيام ثلاثة أيام متتابعات . { ذلك } ، أي : ذلك الذي ذكرت ، { كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } ، وحنثتم ، فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث . واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث : فذهب قوم إلى جوازه . لِما روينا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ حلف على يمينٍ فرأى غيرَها خيراً منها فليُكفّر عن يمينه ، وليفعلِ الذي هو خير " . وهو قول عمر [ وابن عمر ] وابن عباس وعائشة رضي الله عنها وبه قال الحسن وابن سيرين ، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي ، إلا أن الشافعي يقول : إن كفّر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني ، إنما يجوز بالإطعام أو الكسوة أو العتق كما يجوز تقديم الزكاة على الحول ، ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه . قوله عزّ وجلّ : { وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَـٰنَكُمْ } ، قيل : أراد به ترك الحلف ، أي : لا تحلفوا ، وقيل : هو الأصح ، أراد به : إذا حلفتم فلا تحنثوا ، فالمراد منه حفظ اليمين عن الحنث هذا إذا لم يكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه ، فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب ، فالأفضل أن يُحنث نفسه ويُكفّر ، لِما أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا حجاج بن منهال أنا جرير بن حازم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبيّ : " يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وُكِلْتَ إليها ، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعنتَ عليها ، وإذا حلفتَ على يمينٍ فرأيت غيرَها خيراً منها فكفّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير " . قوله تعالى : { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .