Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 2-5)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزَّ وجلّ : { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } ، يعني بني النضير ، { مِن دِيَـٰرِهِمْ } ، التي كانت بيثرب ، قال ابن إسحاق : كان إجلاء بني النضير بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وفتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان . { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } ، قال الزهري : كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى ، وكان الله عزّ وجلّ قد كتب عليهم الجلاء ، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا . قال ابن عباس : من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية , فكان هذا أول حشر إلى الشام ، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " أخرجوا , قالوا إلى أين ؟ قال : إلى أرض المحشر ثم " ، يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام . وقال الكلبي : إنما قال : " لأول الحشر " لأنهم كانوا أول من أجلى من أهل الكتاب من جزيرة العرب ، ثم أجلي آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه . قال مرة الهمداني : كان أول الحشر من المدينة , والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحاء من الشام في أيام عمر . وقال قتادة : كان هذا أول الحشر , والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا . { مَا ظَنَنتُمْ } ، أيها المؤمنون { أَن يَخْرُجُواْ } ، من المدينة لعزتهم ومنعتهم ، وذلك أنهم كانوا أهل حصون وعقار ونخيل كثيرة ، { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله ، { فَأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } ، أي أمر الله وعذابه ، { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } ، وهو أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك ، { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } ، بقتل سيدهم كعب بن الأشرف . { يُخْرِبُونَ } ، قرأ أبو عمرو : بالتشديد , والآخرون بالتخفيف , ومعناهما واحد ، { بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِين } , قال الزهري : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالحهم على أن لهم ما أقلَّت الإبل ، كانوا ينظرون إلى الخشب في منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يستحسنونه فيحملونه على إبلهم ، ويخرب المؤمنون باقيها . قال ابن زيد : كانوا يقلعون العُمُد , وينقضون السقوف , وينقبون الجدران , ويقلعون الخشب حتى الأوتاد , يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسداً منهم وبغضاً . قال قتادة : كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ويخربها اليهود من داخلها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها لتتسع لهم المقاتل ، وجعل أعداء الله ينقبون دورهم في أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرون ما يليهم ، ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ } ، فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم ، { يٰأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ } ، يا ذوي العقول والبصائر . { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ } ، الخروج من الوطن ، { لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } ، بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة ، { وَلَهُمْ فِى ٱلآَخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ * ذَلِك } ، الذي لحقهم ، { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ } ، الآية . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمِنَ الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل ؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم , وخشوا أن يكون ذلك فساداً ، واختلفوا في ذلك , فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم . أخبرنا عبد الواحد المليحي , أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي , أخبرنا محمد بن يوسف , حدثنا محمد بن إسماعيل , حدثنا آدم , حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : حرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة : فنزلت : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } , أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله ، { وَلِيُخْزِىَ الفَاسِقِين } . واختلفوا في " اللِّيْنَةِ " , فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة ، وهو قول عكرمة وقتادة . ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمرة : الألوان , واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية . وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل . وقال مقاتل : هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللَّون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائماً هو لمن غلب عليها ، فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .